تدعمها ، ولا فوقها علاقة تمسكها. وأبعد من ذهب إلى أنّ ترونها خبر في اللفظ ومعناه الأمر أي : رها وانظروا هل لها من عمد؟ وتقدم تفسير (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (١) قال ابن عطية : ثم هنا لعطف الجمل لا للترتيب ، لأنّ الاستواء على العرش قبل رفع السموات. وفي الصحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كان الله ولم يكن شيء قبله ، وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض» انتهى. وسخر الشمس والقمر أي : ذللهما لما يريد منهما. وقيل : لمنافع العباد. وعبر بالجريان عن السير الذي فيه سرعة ، وكل مضافة في التقدير ، والظاهر أنّ المحذوف هو ضمير الشمس والقمر أي : كليهما يجري إلى أجل مسمى. وقال ابن عطية : والشمس والقمر في ضمن ذكرهما ذكر الكواكب ، ولذلك قال : كل يجري لأجل مسمى ، أي : كل ما هو في معنى الشمس والقمر من المسخر ، وكل لفظة تقتضي الإضافة ظاهرة أو مقدرة انتهى. وشرح كل بقوله أي : كل ما هو في معنى الشمس والقمر ما أخرج الشمس والقمر من ذكر جريانهما إلى أجل مسمى ، وتحريره أن يقول على زعمه : إن الكواكب في ضمن ذكرهما أي ، ومما هو في معناهما إلى أجل مسمى. وقال ابن عباس : منازل الشمس والقمر وهي الحدود التي لا تتعداها ، قدر لكل منهما سيرا خاصا إلى جهة خاصة بمقدار خاص من السرعة والبطء. وقيل : الأجل المسمى هو يوم القيامة ، فعند مجيئه ينقطع ذلك الجريان والتسيير كما قال تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (٢) وقال : وجمع الشمس والقمر ، ومعنى تدبير الأمر إنفاذه وإبرامه ، وعبر بالتدبير تقريبا للأفهام ، إذ التدبير إنما هو النظر في إدبار الأمور وعواقبها وذلك من صفات البشر ، والأمر أمر ملكوته وربوبيته ، وهو عام في جميع الأمور من إيجاد وإعدام وإحياء وإماتة وإنزال وحي وبعث رسل وتكليف وغير ذلك. وقال مجاهد : يدبر الأمر يقضيه وحده ، ويفصل الآيات يجعلها فصولا مبينة مميزا بعضها من بعض. والآيات هنا دلائله وعلاماته في سمواته على وحدانيته ، أو آيات الكتب المنزلة ، أو آيات القرآن أقوال.
وقرأ النخعي ، وأبو رزين ، وابان بن ثعلب ، عن قتادة : ندبر الأمر نفصل بالنون فيهما ، وكذا قال أبو عمرو الداني عن الحسن فيهما ، وافق في نفصل بالنون الخفاف ، وعبد الواحد عن أبي عمرو ، وهبيرة عن حفص. وقال صاحب اللوامح : جاء عن الحسن والأعمش نفصل بالنون فقط. وقال المهدوي : لم يختلف في يدبر ، أو ليس كما قال؟ إذ قد تقدمت قراءة ابان. ونقل الداني عن الحسن : والذي تقتضيه الفصاحة أن هاتين الجملتين
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٥٤.
(٢) سورة التكوير : ٨١ / ١.