جرى ذكره في قوله : يقولون : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) (١) والمعنى : أنّ الله تعالى جعل لنبيه صلىاللهعليهوسلم حفظة من متمردي الجن والإنس. قال أبو زيد : الآية في النبي صلىاللهعليهوسلم نزلت في حفظ الله له من أربد بن قيس ، وعامر بن الطفيل ، من القصة التي سنشير إليها بعد في ذكر الصواعق. والقول الأول في عود الضمير هو الأولى الذي ينبغي أن يحمل عليه وعليه يفسر. ويقول : لما تقدم أنّ من أسر القول ومن جهر به ، ومن استخفى بالليل وسرب بالنهار ، مستو في علم الله تعالى لا يخفى عليه من أحوالهم شيء ، ذكر أيضا أن لذلك المذكور معقبات : جماعات من الملائكة تعقب في حفظه وكلاءته. ومعقب : وزنه مفعل ، من عقب الرجل إذا جاء على عقب الآخر ، لأن بعضهم يعقب بعضا ، أو لأنهم يعقبون ما يتكلمون به فيكتبونه. وقال الزمخشري : والأصل معتقبات ، فأدغمت التاء في القاف كقوله : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ) (٢) يعني المعتذرون. ويجوز معقبات بكسر العين ، ولم يقرأ به انتهى. وهذا وهم فاحش ، لا تدغم التاء في القاف ، ولا القاف في التاء ، لا من كلمة ولا من كلمتين. وقد نص التصريفيون على أن القاف والكاف يدغم كل منهما في الآخر ، ولا يدغمان في غيرهما ، ولا يدغم غيرهما فيهما. وأما تشبيهه بقوله : وجاء المعذرون ، فلا يتعين أن يكون أصله المعتذرون ، وقد تقدم في براءة توجيهه ، وأنه لا يتعين ذلك فيه. وأما قوله : ويجوز معقبات بكسر العين ، فهذا لا يجوز لأنه بناه على أن أصله معتقبات ، فأدغمت التاء في القاف. وقد ذكرنا أن ذلك وهم فاحش ، والمعقبات جمع معقبة. وقيل : الهاء في معقبة للمبالغة ، فيكون كرجل نسابة. وقيل : جمع معقبة ، وهي الجماعة التي تأتي بعد الأخرى ، جمعت باعتبار كثرة الجماعات ، ومعقبة ليست جمع معقب كما ذكر الطبري. وشبه ذلك برجل ورجال ورجالات ، وليس الأمر كما ذكر ، لأنّ ذلك كجمل وجمال وجمالات ، ومعقبة ومعقبات إنما هي كضارب وضاربات قاله : ابن عطية. وينبغي أن يتأول كلام الطبري على أنه أراد بقوله : جمع معقب ، أنه أطلق من حيث الاستعمال على جمع معقب وإن كان أصله أن يطلق على مؤنث معقب ، وصار مثل الواردة للجماعة الذين يردون ، وإن كان أصله أن يطلق على مؤنث وارد ، من حيث أن يجمع جموع التكسير للعامل يجوز أن يعامل معاملة المفردة المؤنثة في الإخبار. وفي عود الضمير لقوله : العلماء قائلة كذا ، وقولهم الرجال وأعضادها ، وتشبيه الطبري ذلك برجل ورجال ورجالات من حيث
__________________
(١) سورة الرعد : ١٣ / ٧.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٩٠.