المعنى ، لا من حيث صناعة النحويين ، فبين أنّ معقبة من حيث أريد به الجمع كرجال من حيث وضع للجمع ، وأن معقبات من حيث استعمل جمعا لمعقبة المستعمل للجمع كرجالات الذي هو جمع رجال. وقرأ عبيد بن زياد على المنبر له المعاقب ، وهي قراءة أبي وإبراهيم. وقال الزمخشري : وقرىء له معاقيب. قال أبو الفتح : هو تكسير معقب بسكون العين وكسر القاف ، كمطعم ومطاعيم ، ومقدم ومقاديم ، وكان معقبا جمع على معاقبة ، ثم جعلت الياء في معاقيب عوضا من الهاء المحذوفة في معاقبة. وقال الزمخشري : جمع معقب أو معقبة ، والياء عوض من حذف أحد القافين في التكسير. وقرىء له معتقبات من اعتقب. وقرأ أبي من بين يديه ، ورقيب من خلفه. وقرأ ابن عباس : ورقباء من خلفه ، وذكر عنه أبو حاتم أنه قرأ له معقبات من خلفه ، ورقيب من بين يديه. وينبغي حمل هذه القراآت على التفسير ، لا أنها قرآن لمخالفتها سواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون. والظاهر أن قوله تعالى : من أمر الله متعلق بقوله : يحفظونه. قيل : من للسبب كقولك : كسرته من عرى ، ويكون معناها ومعنى الباء سواء ، كأنه قيل : يحفظونه بأمر الله وبإذنه ، فحفظهم إياه متسبب عن أمر الله لهم بذلك. قال ابن جريج : يحفظون عليه عمله ، فحذف المضاف. وقال قتادة : يكتبون أقواله وأفعاله. وقراءة علي ، وابن عباس ، وعكرمة ، وزيد بن علي ، وجعفر بن محمد : يحفظونه بأمر الله ، يؤيد تأويل السببية في من وفي هذا التأويل. قال الزمخشري : يحفظونه من أجل أمر الله تعالى أي : من أجل أن الله تعالى أمرهم بحفظه. وقال ابن عطية ، وقتادة : معنى من أمر الله ، بأمر الله أي : يحفظونه بما أمر الله ، وهذا تحكم في التأويل انتهى. وليس بتحكم وورود من للسبب ثابت من لسان العرب. وقيل : يحفظونه من بأس الله ونقمته كقولك : حرست زيدا من الأسد ، ومعنى ذلك : إذا أذن الله لهم في دعائهم أن يمهله رجاء أن يتوب عليه وينيب كقوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) (١) يصير معنى الكلام إلى التضمين أي : يدعون له بالحفظ من نقمات الله رجاء توبته. ومن جعل المعقبات الحرس ، وجعلها في رؤساء الكفار فيحفظونه معناه : في زعمه وتوهمه من هلاك الله ، ويدفعون قضاءه في ظنه ، وذلك لجهالته بالله تعالى ، أو يكون ذلك على معنى التهكم به ، وحقيقة التهكم هو أن يخبر بشيء ظاهره مثلا الثبوت في ذلك الوصف ، وفي الحقيقة هو منتصف ، ولذلك حمل بعضهم يحفظونه
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٤٢.