في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء» وقال الغزنوي : ما في اللوح المحفوظ خرج عن الغيب لإحاطة بعض الملائكة ، فيحتمل التبديل وإحاطة الخلق بجميع علم الله تعالى ، وما في علمه تعالى من تقدير الأشياء لا يبدل انتهى. وقيل : غير ذلك مما يطول نقله. وقد استدلت الرافضة بقوله : يمحو الله ما يشاء ويثبت ، على أنّ البدء جائز على الله تعالى ، وهو أن يعتقد شيئا ثم يظهر له أنّ الأمر خلاف ما اعتقده ، وهذا باطل لأنّ علمه تعالى من لوازم ذاته المخصوصة ، وما كان كذلك كان دخول التغيير والتبديل فيه محالا. وأما الآية فقد احتملت تلك التأويلات المتقدمة ، فليست نصا فيما ادعوه ، ولو كانت نصا وجب تأويله.
وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم : ويثبت مخففا من أثبت ، وباقي السبعة مثقلا من ثبت. وأما قوله : أم الكتاب فقال ابن عباس : أم الكتاب الذكر ، وقال أيضا هو وكعب : هو علم ما هو خالق ، وما خلقه عاملون. وقالت فرقة : الحلال والحرام ، وهو قول الحسن. وقال الزمخشري : أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ ، لأنّ كل كائن مكتوب فيه انتهى. وما جرى مجرى الأصل للشيء تسميه العرب ، أمّا كقولهم : أم الرأس للدماغ ، وأم القرى مكة. وقال ابن عطية : وأصوب ما يفسر به أم الكتاب أنه ديوان الأمور المحدثة التي قد سبق في القضاء أن تبدل وتمحى ، أو تثبت. وقال نحوه قتادة : إنّ جواب الشرط الأول محذوف ، وكلام ابن عطية في ما ونون التوكيد. وقال الزمخشري : وإما نرينك ، وكيفما دارت الحال أريناك مصارعهم ، وما وعدناهم من إنزال العذاب عليهم ، أو نتوفينك قبل ذلك ، فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة ، وعلينا لا عليك حسابهم وجزاؤهم على أعمالهم ، فلا يهمنك إعراضهم ، ولا تستعجل بعذابهم انتهى. وقال الحوفي وغيره : فإنما عليك البلاغ جواب الشرط ، والذي تقدم شرطان ، لأنّ المعطوف على الشرط شرط. فأما كونه جوابا للشرط الأول فليس بظاهر ، لأنه لا يترتب عليه ، إذ يصير المعنى : وإما نرينك بعض ما نعدهم من العذاب فإنما عليك البلاغ. وأما كونه جوابا للشرط الثاني هو أو نتوفينك فكذلك ، لأنه يصير التقدير : إن ما نتوفينك فإنما عليك البلاغ ، ولا يترتب وجوب التبليغ عليه على وفاته عليهالسلام ، لأنّ التكليف ينقطع بعد الوفاة فيحتاج إلى تأويل وهو : أن يتقدر لكل شرط منهما ما يناسب أن يكون جزاء مترتبا عليه. وذلك أن يكون التقدير ـ والله أعلم ـ وأنّ ما نرينك بعض الذي نعدهم به من العذاب فذلك شافيك من أعدائك ، ودليل على صدقك ، إذا أخبرت بما يحل بهم. ولم يعين زمان حلوله بهم ، فاحتمل أن يقع ذلك في حياتك ،