واحتمل أن يقع بهم بعد وفاتك أو نتوفينك أي : أو أن نتوفينك قبل حلوله بهم ، فلا لوم عليك ولا عتب ، إذ قد حل بهم بعض ما وعد الله به على لسانك من عذابهم ، فإنما عليك البلاغ لا حلول العذاب بهم. إذ ذاك راجع إليّ ، وعلينا جزاؤهم في تكذيبهم إياك ، وكفرهم بما جئت به.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ. وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ. وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) : الضمير في أو لم يروا عائد على الذين وعدوا ، وفي ذلك اتعاظ لمن اتعظ ، نبهوا على أن ينظروا بعض الأرض من أطرافها. ونأتي يعني بالأمر والقدرة كقوله : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ) (١) والأرض أرض الكفار المذكورين ، ويعني بنقضها من أطرافها للمسلمين : من جوانبها. كان المسلمون يغزون من حوالى أرض الكفار مما يلي المدينة ، ويغلبون على جوانب أرض مكة ، والأطراف : الجوانب. وقيل : الطرف من كل شيء خياره ، ومنه قول علي بن أبي طالب : العلوم أودية ، في أي واد أخذت منها خسرت ، فخذوا من كل شيء طرفا يعني : خيارا قاله ابن عطية ، والذي يظهر أن معنى طرفا جانبا وبعضا ، كأنه أشار إلى أنّ الإنسان يكون مشاركا في أطراف من العلوم ، لأنه لا يمكنه استيعاب جميعها ، ولم يشر إلى أنه يستغرق زمانه في علم واحد.
وقال ابن عباس والضحاك : نأتي أرض هؤلاء بالفتح عليك ، فننقصها بما يدخل في دينك من القبائل والبلاد المجاورة لهم ، فما يؤمنهم أن يمكنه منهم. وهذا التفسير لا يتأتى إلا أن قدر نزول هذه الآية بالمدينة. وقيل : الأرض اسم جنس ، والانتقاص من الأطراف بتخريب العمران الذي يحله الله بالكفرة. وروي هذا عن ابن عباس أيضا ، ومجاهد ، وعنهما أيضا : الانتقاص هو بموت البشر ، وهلاك الثمرات ، ونقص البركة. وعن ابن عباس أيضا : موت أشرافها وكبرائها ، وذهاب الصلحاء والأخيار ، فعلى هذا الأطراف هنا الأشراف. وقال ابن الأعرابي : الطرف والطرف الرجل الكريم. وعن عطاء بن أبي رباح : ذهاب فقهائها وخيار أهلها. وعن مجاهد : موت الفقهاء والعلماء. وقال عكرمة والشعبي : هو نقص الأنفس. وقيل : هلاك من أهلك من الأمم قبل قريش ، وهلاك أرضهم بعدهم.
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٢٦.