ألسنتهم وما نطقت به من قولهم : إنا كفرنا بما أرسلتم به أي : هذا جواب لكم ليس عندنا غيره إقناطا لهم من التصديق. وقيل : الضميران عائدان على الرسل قاله : مقاتل ، قال : أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم. وقال الحسن وغيره : جعلوا أيدي أنفسهم في أفواه الرسل ردّا لقولهم ، وهذا أشنع في الرد وأذهب في الاستطالة على الرسل والنيل منهم ، فعلى هذا الضمير في أيديهم عائد على الكفار ، وفي أيديهم عائد على الرسل. وقيل : المراد بالأيدي هنا النعم ، جمع يد المراد بها النعمة أي : ردوا نعم الأنبياء التي هي أجلّ النعم من مواعظهم ونصائحهم ، وما أوحي إليهم من الشرائع والآيات في أفواه الأنبياء ، لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها فكأنهم ردوها في أفواههم ، ورجعوها إلى حيث جاءت منه على طريق المثل. وقيل : الضمير في أفواههم على هذا القول عائد على الكفار ، وفي بمعنى الباء أي : بأفواههم ، والمعنى : كذبوهم بأفواههم. وفي بمعنى الباء يقال : جلست في البيت ، وبالبيت. وقال الفراء : قد وجدنا من العرب من يجعل في موضع الباء فتقول : أدخلك الله الجنة ، وفي الجنة. وأنشد :
وارغب فيها من لقيط ورهطه |
|
ولكنني عن شنبس لست أرغب |
يريد : أرغب بها. وقال أبو عبيدة : هذا ضرب مثل أي : لم يؤمنوا ولم يجيبوا. والعرب تقول للرجل إذا سكت عن الجواب وأمسك : رد يده في فيه ، وقاله الأخفش أيضا. وقال القتبي : لم يسمع أحد من العرب يقول : رد يده في فيه إذا ترك ما أمر به انتهى. ومن سمع حجة على من لم يسمع هذا أبو عبيدة والأخفش نقلا ذلك عن العرب ، فعلى ما قاله أبو عبيدة يكون ذلك من مجاز التمثيل ، كان الممسك عن الجواب الساكت عنه وضع يده فيه. وقد رد الطبري قول أبي عبيدة وقال : إنهم قد أجابوا بالتكذيب لأنهم قالوا : إنا كفرنا بما أرسلتم به ، ولا يرد ما قاله الطبري ، لأنه يريد أبو عبيدة أنهم أمسكوا وسكتوا عن الجواب المرضي الذي يقتضيه مجيء الرسل بالبينات ، وهو الاعتراف بالإيمان والتصديق للرسل. قال ابن عطية : ويحتمل أن يتجوز في لفظة الأيدي أي : أنهم ردوا قوتهم ومدافعتهم ومكافحتهم فيما قالوا بأفواههم من التكذيب ، فكان المعنى : ردوا جميع مدافعتهم في أفواههم أي : في أقوالهم ، وعبر عن جميع المدافعة بالأيدي ، إذ الأيدي موضع أشد المدافعة والمرادة انتهى. بادروا أولا إلى الكفر وهو التكذيب المحض ، ثم أخبروا بأنهم في شك وهو التردد ، كأنهم نظروا بعض نظر اقتضى أن انتقلوا من التكذيب المحض إلى