لتعودن على المفهوم منها أولا إذ سبق كونهم كانوا في ملتهم ، وأما الرسل فلم يكونوا في ملتهم قط. أو يكون المعنى في عودهم إلى ملتهم سكوتهم عنهم ، وكونهم إغفالا عنهم لا يطالبونهم بالإيمان بالله وما جاءت به الرسل.
وقرأ أبو حيوة : ليهلكن الظالمين وليسكننكم ، بياء الغيبة اعتبارا بقوله : فأوحى إليهم ربهم ، إذ لفظه لفظ الغائب. وجاء ولنسكننكم بضمير الخطاب تشريفا لهم بالخطاب ، ولم يأت بضمير الغيبة كما في قوله : فأوحى إليهم ربهم. ولما أقسموا بهم على إخراج الرسل والعودة في ملتهم ، أقسم تعالى على إهلاكهم. وأي إخراج أعظم من الإهلاك ، بحيث لا يكون لهم عودة إليها أبدا ، وعلى إسكان الرسل ومن آمن بهم وذرياتهم أرض أولئك المقسمين على إخراج الرسل. قال ابن عطية : وخص الظالمين من الذين كفروا ، إذ جائز أن يؤمن من الكفرة الذين قالوا المقالة ناس ، وإنما توعد لإهلاك من خلص للظلم. وقال غيره : أراد بالظالمين المشركين ، قال تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١) والإشارة بذلك إلى توريث الأرض الأنبياء ومن آمن بهم بعد إهلاك الظالمين كقوله تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٢). ومقام يحتمل المصدر والمكان. فقال الفراء : مقامي مصدر أضيف إلى الفاعل أي : قيامي عليه بالحفظ لأعماله ، ومراقبتي إياه لقوله : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (٣). وقال الزجاج : مكان وقوفه بين يدي للحساب ، وهو موقف الله الذي يقف فيه عباده يوم القيامة كقوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (٤) وعلى إقحام المقام أي لمن خافني. والظاهر أن الضمير في واستفتحوا عائد على الأنبياء : أي استنصروا الله على أعدائهم كقوله : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) (٥) ويجوز أن يكون الفتاحة وهي الحكومة ، أي : استحكموا الله طلبوا منه القضاء بينهم. واستنصار الرسل في القرآن كثير كقول نوح : (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي) (٦) وقول لوط : (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) (٧) وقول شعيب : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) (٨) وقول موسى : (رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ) (٩) الآية. وقال ابن زيد : الضمير عائد على الكفار أي : واستفتح الكفار
__________________
(١) سورة لقمان : ٣١ / ١٣.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٢٨.
(٣) سورة الرعد : ١٣ / ٣٣.
(٤) سورة الرحمن : ٥٥ / ٤٦.
(٥) سورة الأنفال : ٨ / ١٩.
(٦) سورة الشعراء : ٢٦ / ١١٨.
(٧) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٦٩.
(٨) سورة الأعراف : ٧ / ٨٩.
(٩) سورة يونس : ١٠ / ٨٨.