على نحو ما قالت قريش : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) (١) وقول أبي جهل : اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فاحنه الغداة. وكأنهم لما قوي تكذيبهم وأذاهم ولم يعاجلوا بالعقوبة ، ظنوا أن ما جاؤوا به باطل فاستفتحوا على سبيل التهكم والاستهزاء كقول قوم نوح : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) (٢) وقوم شعيب : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً) (٣) وعاد : (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (٤) وبعض قريش : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً) (٥). وقيل : الضمير عائد على الفريقين : الأنبياء ، ومكذبيهم ، لأنهم كانوا كلهم سألوا أن ينصر المحق ويبطل المبطل. ويقوي عود الضمير على الرسل خاصة قراءة ابن عباس ، ومجاهد ، وابن محيصن : واستفتحوا بكسر التاء ، أمرا للرسل معطوفا على ليهلكن أي : أوحى إليهم ربهم وقال لهم : ليهلكن ، وقال لهم : استفتحوا أي : اطلبوا النصر وسلوه من ربكم. وقال الزمخشري : ويحتمل أن يكون أهل مكة قد استفتحوا أي استمطروا ، والفتح المطر في سني القحط التي أرسلت عليهم بدعوة الرسول فلم يسقوا ، فذكر سبحانه ذلك ، وأنه خيّب رجاء كل جبار عنيد ، وأنه يسقى في جهنم بدل سقياه ماء آخر وهو صديد أهل النار. واستفتحوا على هذا التفسير كلام مستأنف منقطع عن حديث الرسل وأممهم انتهى. وخاب معطوف على محذوف تقديره : فنصروا وظفروا. وخاب كل جبار عنيد وهم قوم الرسل ، وتقدم شرح جبار. والعنيد : المعاند كالخليط بمعنى المخالط على قول من جعل الضمير عائدا على الكفار ، كأن وخاب عطفا على واستفتحوا. ومن ورائه قال أبو عبيدة وابن الأنباري أي : من بعده. وقال الشاعر :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة |
|
وليس وراء الله للمرء مهرب |
وقال أبو عبيدة أيضا ، وقطرب ، والطبري ، وجماعة : ومن ورائه أي ومن أمامه ، وهو معنى قول الزمخشري : من بين يديه. وأنشد :
عسى الكرب الذي أمسيت فيه |
|
يكون وراء فرج قريب |
وهذا وصف حاله في الدنيا ، لأنه مرصد لجهنم ، فكأنها بين يديه وهو على شفيرها ، أو وصف حاله في الآخرة حين يبعث ويوقف. وقال الشاعر :
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي |
|
وقوم تميم والفلاة ورائيا |
__________________
(١) سورة ص : ٣٨ / ١٦.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٧٠.
(٣) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٨٧.
(٤) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٣٨.
(٥) سورة الأنفال : ٨ / ٣٢.