وإنما جاز حذف اللام لأن الأمر الذي هو قل ، عوض منه. ولو قيل : يقيموا الصلاة وينفقوا ابتداء بحذف اللام ، لم يجز انتهى. وذهب المبرد إلى أنّ التقدير : قل لهم أقيموا يقيموا ، فيقيموا المصرح به جواب أقيموا المحذوف قيل. وهو فاسد لوجهين : أحدهما : أنّ جواب الشرط يخالف الشرط إما في الفعل ، أو في الفاعل ، أو فيهما. فأما إذا كان مثله فيهما فهو خطأ كقولك : قم يقم ، والتقدير على هذا الوجه : أن يقيموا يقيموا. والوجه الثاني : أن الأمر المقدر للمواجهة ويقيموا على لفظ الغيبة وهو خطأ إذا كان الفاعل واحدا. وقيل : التقدير أن تقل لهم أقيموا يقيموا قاله سيبويه فيما حكاه ابن عطية. وقال الفراء : جواب الأمر معه شرط مقدر تقول : أطع الله يدخلك الجنة ، أي إن تطعه يدخلك الجنة. ومخالفة هذا القول للقول قبله أنّ الشرط في هذا مقدر بعد فعل الأمر ، وفي الذي قبله الأمر مضمن معنى الشرط. وقيل : هو مضارع بلفظ الخبر صرف عن لفظ الأمر ، والمعنى : أقيموا ، قاله أبو علي وفرقة. ورد بأنه لو كان مضارعا بلفظ الخبر ومعناه الأمر ، لبقي على إعرابه بالنون كقوله : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ) (١) ثم قال : (تُؤْمِنُونَ) (٢) والمعنى : آمنوا. واعتل أبو علي لذلك بأنه لما كان بمعنى الأمر بني يعني : على حذف النون ، لأن المراد أقيموا ، وهذا كما بني الاسم المتمكن في النداء في قولك : يا زيد ، يعني على الضمة لما شبه بقبل وبعد انتهى ، ومتعلق القول الملفوظ به أو المقدر في هذه التخاريج هو الأمر بالإقامة والإنفاق ، إلا في قول ابن عطية فمتعلقه الشريعة فهو أعم ، إذ قدر قل بمعنى بلّغ وأدّ الشريعة. قال ابن عطية : ويظهر أن المقول هو الآية التي بعد أعني قوله : الله الذي خلق السموات والأرض انتهى. وهذا الذي ذهب إليه من كون معمول القول هو قوله تعالى الله الذي الآية تفكيك للكلام ، يخالفه ترتيب التركيب ، ويكون قوله : يقيموا الصلاة كلاما مفلتا من القول ومعموله ، أو يكون جوابا فصل به بين القول ومعموله ، ولا يترتب أن يكون جوابا ، لأن قوله : الله الذي خلق السموات والأرض ، لا يستدعي إقامة الصلاة والإنفاق إلا بتقدير بعيد جدا. واحتمل الصلاة أن يراد بها العموم أي : كل صلاة فرض وتطوع ، وأن يراد بها الخمس ، وبذلك فسرها ابن عباس : وفسر الإنفاق بزكاة الأموال. وتقدم إعراب (سِرًّا وَعَلانِيَةً) (٣) وشرحها في أواخر البقرة.
__________________
(١) سورة الصف : ٦١ / ١٠.
(٢) سورة الصف : ٦١ / ١١.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٧٤.