وقال أبو عبيدة : البيع هنا البذل ، والخلال المخالة ، وهو مصدر من خاللت خلالا ومخالة وهي المصاحبة انتهى. ويعني بالبذل مقابل شيء. وقال امرؤ القيس :
صرفت الهوى عنهن من خشية الردى |
|
ولست بمقلي الخلال ولا قال |
وقال الأخفش : الخلال جمع خلة. وتقدم الخلاف في قراءة (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) (١) بالفتح أو بالرفع في البقرة ، والمراد بهذا اليوم يوم القيامة. قال الزمخشري : (فإن قلت) : كيف طابق الأمر بالإنفاق وصف اليوم بأنه لا بيع فيه ولا خلال؟ (قلت) : من قبل أنّ الناس يخرجون أموالهم في عقود المعاوضات ، فيعطون بدلا ليأخذوا مثله ، وفي المكارمات ومهاداة الأصدقاء ليستخرجوا بهداياهم أمثالها أو خيرا منها ، وأما الإنفاق لوجه الله خالصا كقوله : وما لا حد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى فلا يفعله إلا المؤمنون الخلص ، فبعثوا عليه ليأخذوا بدله في يوم لا بيع فيه ولا خلال أي : لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة ، ولا بما ينفقون فيه أموالهم من المعاوضات والمكارمات ، وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله انتهى. ولما أطال تعالى الكلام في وصف أحوال السعداء والأشقياء ، وكان حصول السعادة بمعرفة الله وصفاته ، والشقاوة بالجهل ، بذلك ختم وصفه بالدلائل الدالة على وجود الصانع وكمال علمه وقدرته فقال : الله الذي خلق السموات والأرض وذكر عشرة أنواع من الدلائل فذكر أولا إبداعه وإنشاء السموات والأرض ، ثم أعقب بباقي الدلائل ، وأبرزها في جمل مستقلة ليدل وينبّه على أنّ كل جملة منها مستقلة في الدلالة ، ولم يجعل متعلقاتها معطوفات عطف المفرد على المفرد ، والله مرفوع على الابتداء ، والذي خبره. قال ابن عطية : ومن أخبر بهذه الجملة وتقررت في نفسه آمن وصلى وأنفق انتهى. يشير إلى ما تقدم من قوله : إنّ معمول قل هو قوله تعالى الله الذي خلق السموات والأرض الآية. فكأنه يقول : يقيموا الصلاة ، جواب لقوله : قل لعبادي الله الذي خلق السموات والأرض. والظاهر أن مفعول أخرج هو رزقا لكم ، ومن للتبعيض. ولما تقدّم على النكرة كان في موضع الحال ، ويكون المعنى : إن الرزق هو بعض جني الأشجار ، ويخرج منها ما ليس برزق كالمجرد للمضرات. ويجوز أن تكون من لبيان الجنس قاله ابن عطية والزمخشري ، وكأنه قال : فأخرج به رزقا لكم هو الثمرات. وهذا ليس بجيد ، لأنّ من التي لبيان الجنس إنما تأتي بعد المبهم الذي تبينه. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون من الثمرات مفعول
__________________
(١) سورة ابراهيم : ١٤ / ٣١.