أخرج ، ورزقا حالا من المفعول ، أو نصبا على المصدر من أخرج ، لأنه في معنى رزق. وقيل : من زائدة ، وهذا لا يجوز عند جمهور البصريين ، لأنّ ما قبلها واجب ، وبعدها معرفة ، ويجوز عند الأخفش. والفلك هنا جمع فلك ، ولذلك قال : لتجري. ومعنى بأمره : راجع إلى الأمر القائم بالذات. وقال الزمخشري : لقوله ، كن.
وانطوى في تسخير الفلك تسخير البحار ، وتسخير الرياح. وأما تسخير الأنهار فبجريانها وبتفجيرها للانتفاع بها. وانتصب دائبين على الحال والمعنى : يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات ، عن مقاتل بن حبان يرفعه إلى ابن عباس أنه قال : معناه دائبين في طاعة الله. قال ابن عطية : وهذا قول إن كان يراد به أنّ الطاعة انقياد منهما في التسخير ، فذلك موجود في قوله : سخر ، وإن كان يراد أنها طاعة مقصودة كطاعة العبادة من البشر فهذا جيد ، والله أعلم انتهى. وتسخير الليل والنهار كونهما يتعاقبان خلفة للمنام والمعاش. وقال المتكلمون : تسخير الليل والنهار مجاز ، لأنّهما عرضان ، والاعراض لا تسخر. ولما ذكر تعالى تلك النعم العظيمة ، ذكر أنه لم يقتصر عليها فقال : وآتاكم من كل ما سألتموه ، والخطاب للجنس من البشر أي : أن الإنسان قد أوتي من كل ما شأن أن يسأل وينتفع به ، ولا يطرد هذا في كل واحد واحد من الناس ، وإنما تفرقت هذه النعم في البشر فيقال : بحسب هذا الجميع أوتيتم كذا على جهة التقرير للنعمة.
وقرأ ابن عباس ، والضحاك ، والحسن ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وعمرو بن قائد ، وقتادة ، وسلام ، ويعقوب ، ونافع في رواية : من كل بالتنوين ، أي : من كل هذه المخلوقات المذكورات. وما موصولة مفعول ثان أي : ما شأنه أن يسأل بمعنى يطلب الانتفاع به. وقيل : ما نافية ، والمفعول الثاني هو من كل كقوله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (١) أي غير سائليه. أخبر بسبوغ نعمته عليهم بما لم يسألوه من النعم ، ولم يعرض لما سألوه. والجملة المنفية في موضع نصب على الحال ، وهذا القول بدأ به الزمخشري ، وثنى به ابن عطية وقال : إنه تفسير الضحاك. وهذا التفسير يظهر أنه مناف لقراءة الجمهور من كل ما سألتموه بالإضافة ، لأنّ في تلك القراءة على ذلك التخريج تكون ما نافية ، فيكونون لم يسألوه. وفي هذه القراءة يكونون قد سألوه ، وما بمعنى الذي. وأجيز أن تكون
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ٢٣.