فلا تحسبن أني أضل منيتي |
|
فكل امرئ كأس الحمام يذوق |
وهذا الوعد كقوله تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) (١) (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (٢) وقرأ الجمهور بإضافة مخلف إلى وعده ، ونصب رسله. واختلف في إعرابه فقال الجمهور والفراء ، وقطرب ، والحوفي ، والزمخشري ، وابن عطية ، وأبو البقاء : إنه مما أضيف فيه اسم الفاعل إلى المفعول الثاني كقولهم : هذا معطي درهم زيدا ، لما كان يتعدى إلى اثنين جازت إضافته إلى كل واحد منهما ، فينتصب ما تأخر. وأنشد بعضهم نظيرا له قول الشاعر :
ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه |
|
وسائره باد إلى الشمس أجمع |
وقال أبو البقاء : هو قريب من قولهم : يا سارق الليلة أهل الدار. وقال الفراء وقطرب : لما تعدى الفعل إليهما جميعا لم يبال بالتقديم والتأخير. وقال الزمخشري : (فإن قلت) : هلا قيل مخلف رسله وعده ، ولم قدم المفعول الثاني على الأول؟ (قلت) : قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلا لقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٣) ثم قال : رسله ، ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحدا ، وليس من شأنه إخلاف المواعيد ، كيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته؟ انتهى. وهو جواب على طريقة الاعتزال في أنّ وعد الله واقع لا محالة ، فمن وعده بالنار من العصاة لا يجوز أن يغفر له أصلا. ومذهب أهل السنة أنّ كل ما وعد من العذاب للعصاة المؤمنين هو مشروط إنفاذه بالمشيئة. وقيل : مخلف هنا متعد إلى واحد كقوله : (لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٤) فأضيف إليه ، وانتصب رسله بوعده إذ هو مصدر ينحل بحرف مصدري والفعل كأنه قال : مخلف ما وعد رسله ، وما مصدرية ، لا بمعنى الذي. وقرأت فرقة : مخلف وعده رسله بنصب وعده ، وإضافة مخلف إلى رسله ، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ، وهو كقراءة : قتل أولادهم شركائهم ، وتقدم الكلام عليه مشبعا في الأنعام. وهذه القراءة تؤيد إعراب الجمهور في القراءة الأولى ، وأنه مما تعدى فيه مخلف إلى مفعولين. إنّ الله عزيز لا يمتنع عليه شيء ولا يغالب ذو انتقام من الكفرة لا يعفو عنهم. والتبديل يكون في الذات أي : تزول ذات وتجيء أخرى. ومنه : (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) (٥) (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ) (٦) ويكون في الصفات كقولك : بدلت
__________________
(١) سورة غافر : ٤ / ٥١.
(٢) سورة المجادلة : ٥٨ / ٢١.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ٩.
(٤) سورة آل عمران : ٣ / ٩.
(٥) سورة النساء : ٤ / ٥٦.
(٦) سورة سبأ : ٣٤ / ١٦.