الحلقة خاتما ، فالذات لم تفقد لكنها انتقلت من شكل إلى شكل. واختلفوا في التبديل هنا ، أهو في الذات ، أو في الصفات ، فقال ابن عباس : تمد كما يمد الأديم ، وتزال عنها جبالها وآكامها وشجرها ، وجميع ما فيها حتى تصير مستوية لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، وتبدل السموات بتكوير شمسها ، وانتثار كواكبها ، وانشقاقها ، وخسوف قمرها. وقال ابن مسعود : تبدل الأرض بأرض كالفضة نقية لم يسفك فيها دم ، ولم يعمل فيها خطيئة. وقال على تلك الأرض من فضة والجنة من ذهب. وقال محمد بن كعب وابن جبير : هي أرض من خبز يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم ، وجاء هذا مرفوعا. وقيل : تصير نارا والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها. وقال أبي : تصير السموات حقابا. وقيل : تبديلها طيها. وقيل : مرة كالمهل ، ومرة وردة كالدهان ، قاله ابن الأنباري. وقيل : بانشقاقها فلا تظل. وفي الحديث : «إنّ الله يبدل هذه الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة نقي» وفي كتاب الزمخشري وعن علي : تبدل أرضا من فضة ، وسموات من ذهب. وعن الضحاك : أرضا من فضة بيضاء كالصحائف. وعن ابن عباس : هي تلك الأرض وإنما تغير ، وأنشد :
وما الناس بالناس الذين عهدتهم |
|
ولا الدار بالدار التي كنت تعلم |
قال ابن عطية : وسمعت من أبي رضياللهعنه روى أن التبديل يقع في الأرض ، ولكن تبدل لكل فريق بما يقتضيه حاله ، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه ، وفريق يكونون على فضة إن صح السند بها ، وفريق الكفرة يكونون على نار ونحو هذا ، وكله واقع تحت قدرة الله تعالى. وفي الحديث : «المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش ، وفيه أنهم ذلك الوقت على الصراط» وقال أبو عبد الله الرازي : المراد من تبديل الأرض والسموات هو أنه تعالى يجعل الأرض جهنم ، ويجعل السموات الجنة ، والدليل عليه قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) (١) وقوله : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) (٢) انتهى. وكلامه هذا يدل على أنّ الجنة والنار غير مخلوقتين ، وظاهر القرآن والحديث أنهما قد خلقتا ، وصح في الحديث أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم اطلع عليهما ، ولا يمكن أن يطلع عليهما حقيقة إلا بعد خلقهما.
وبرزوا : أي ظهروا. لا يواريهم بناء ولا حصن ، وانتصاب يوم على أنه بدل من يوم يأتيهم قاله الزمخشري ، أو معمولا لمخلف وعده. وإن وما بعدها اعتراض قاله الحوفي.
__________________
(١) سورة المطففين : ٨٣ / ٧.
(٢) سورة المطففين : ٨٣ / ١٨.