لا يستبطأ ، فإنّ له أجلا لا يتعداه ، والمعنى : من أهل قرية كافرين. والظاهر أن المراد بالهلاك هلاك الاستئصال لمكذبي الرسل ، وهو أبلغ في الزجر. وقيل : المراد الإهلاك بالموت ، والواو في قوله : ولها ، واو الحال. وقال بعضهم : مقحمة أي زائدة ، وليس بشيء. وقرأ ابن أبي عبلة : بإسقاطها وقال الزمخشري : الجملة واقعة صفة لقرية ، والقياس أن لا تتوسط الواو بينهما كما في قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) (١) وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف كما يقال في الحال : جاءني زيد عليه ثوب ، وجاءني وعليه ثوب انتهى. ووافقه على ذلك أبو البقاء فقال : الجملة نعت لقرية كقولك : ما لقيت رجلا إلا عالما قال : وقد ذكرنا حال الواو في مثل هذا في البقرة في قوله : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (٢) انتهى. وهذا الذي قاله الزمخشري وتبعه فيه أبو البقاء لا نعلم أحدا قاله من النحويين ، وهو مبني على أنّ ما بعدا لا يجوز أن يكون صفة ، وقد منعوا ذلك. قال : الأخفش لا يفصل بين الصفة والموصوف بالإثم ، قال : ونحو ما جاءني رجل إلا راكب تقديره : إلا رجل راكب ، وفيه قبح بجعلك الصفة كالإسم. وقال أبو علي الفارسي : تقول ما مررت بأحد إلا قائما ، فقائما حال من أحد ، ولا يجوز إلا قائم ، لأنّ إلا لا تعترض بين الصفة والموصوف. وقال ابن مالك : وقد ذكر ما ذهب إليه الزمخشري من قوله : في نحو ما مررت بأحد إلا زيد خير منه ، أنّ الجملة بعد إلا صفة لأحد ، أنه مذهب لم يعرف لبصري ولا كوفي ، فلا يلتفت إليه. وأبطل ابن مالك قول الزمخشري أنّ الواو توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف. وقال القاضي منذر بن سعيد : هذه الواو هي التي تعطي أنّ الحالة التي بعدها في اللفظ هي في الزمن قبل الحالة التي قبل الواو ، ومنه قوله تعالى : (إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) (٣) انتهى.
والظاهر أنّ الكتاب المعلوم هو الأجل الذي كتب في اللوح وبين ، ويدل على ذلك ما بعده. وقيل : مكتوب فيه أعمالهم وأعمارهم وآجال هلاكهم. وذكر الماوردي : كتاب معلوم أي : فرض محتوم ، ومن زائدة تفيد استغراق الجنس أي : ما تسبق أمة ، وأنث أجلها على لفظ أمة وجمع وذكر في وما يستأخرون حملا على المعنى ، وحذف عنه لدلالة الكلام عليه.
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٢٠٨.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢١٦.
(٣) سورة الزمر : ٣٩ / ٧١.