وسكرت خيرت أو حبست من السكر ، أو السكر. وقرىء بالتخفيف أي : حبست كما يحبس النهر عن الجري انتهى. وقرأ ابان بن ثعلب : سحرت أبصارنا. ويجيء قوله : بل نحن قوم مسحورون ، انتقالا إلى درجة عظمى من سحر العقل. وينبغي أن تجعل هذه القراءة تفسير معنى لا تلاوة ، لمخالفتها سواد المصحف. وجاء جواب ولو ، قوله : لقالوا أي أنهم يشاهدون ما يشاهدون ، ولا يشكون في رؤية المحسوس ، ولكنهم يقولون ما لا يعتقدون مواطأة على العناد ، ودفع الحجة ، ومكابرة وإيثارا للغلبة كما قال تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (١).
(وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ. وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ. إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) : لما ذكر حال منكري النبوة وكانت مفرعة على التوحيد ، ذكر دلائله السماوية ، وبدأ بها ثم أتبعها بالدلائل الأرضية. وقال ابن عطية : لما ذكر تعالى أنهم لو رأوا الآية المذكورة في السماء لعاندوا فيها ، عقب ذلك بهذه الآية كأنه قال : وإنّ في السماء لعبرا منصوبة عبر عن هذه المذكورة ، وكفرهم بها ، وإعراضهم عنها إصرار منهم وعتو انتهى. والظاهر أن جعلنا بمعنى خلقنا ، وفي السماء متعلق بجعلنا. ويحتمل أن يكون بمعنى صيرنا ، وفي السماء المفعول الثاني ، فيتعلق بمحذوف. والبروج جمع برج ، وتقدم شرحه لغة. قال الحسن وقتادة : هي النجوم. وقال أبو صالح : الكواكب السيارة. وقال علي بن عيسى : اثنا عشر برجا : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت ، وهي منازل الشمس والقمر. وقال ابن عطية : قصور في السماء فيها الحرس ، وهي المذكورة في قوله : (مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً) (٢) وقيل : الفلك اثنا عشر برجا ، كل برج ميلان ونصف. والظاهر أن الضمير في وزيناها عائد على البروج لأنها المحدث عنها ، والأقرب في اللفظ. وقيل : على السماء ، وهو قول الجمهور. وخص بالناظرين لأنها من المحسوسات التي لا تدرك إلا بنظر العين. ويجوز أن يكون من نظر القلب لما فيها من الزينة المعنوية ، وهو ما فيها من حسن الحكم وبدائع الصنع وغرائب القدرة. والضمير في حفظناها عائد على السماء ، ولذلك قال الجمهور : إن الضمير في وزيناها عائد على السماء حتى لا تختلف الضمائر ، وحفظ السماء هو بالرجم بالشهب على
__________________
(١) سورة النمل : ١٧ / ١٤.
(٢) سورة الجن : ٧٢ / ٨.