والظاهر أنّ الضمير في فظلوا عائد على من عاد عليه في قوله : عليهم ، أي : لو فتح لهم باب من السماء ، وجعل لهم معراج يصعدون فيه لقالوا : هو شيء تتخيله لا حقيقة له ، وقد سخرنا بذلك. وجاء لفظ فظلوا مشعرا بحصول ذلك في النهار ليكونوا مستوضحين لما عاينوا ، على أنّ ظل يأتي بمعنى صار أيضا. وعن ابن عباس أنّ الضمير في فظلوا يعود على الملائكة لقولهم : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) (١) أي : ولو رأوا الملائكة تصعد وتنصرف في باب مفتوح في السماء لما آمنوا.
وقرأ الأعمش ، وأبو حيوة : يعرجون بكسر الراء ، وهي لغة هذيل في العروج بمعنى الصعود. وجاء لفظ إنما مشعرا بالحصر ، كأنه قال : ليس ذلك إلا تسكيرا للأبصار. وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وابن كثير : سكرت بتخفيف الكاف مبنيا للمفعول ، وقرأ باقي السبعة : بشدها مبنيا للمفعول. وقرأ الزهري : بفتح السين وكسر الكاف مخففة مبنيا للفاعل ، شبهوا رؤية أبصارهم برؤية السكران لقلة تصوره ما يراه. فأما قراءة التشديد فعن ابن عباس وقتادة منعت عن رؤية الحقيقة من السكر ، بكسر السين وهو الشد والحبس. وعن الضحاك شدّت ، وعن جوهر جدعت ، وعن مجاهد حبست ، وعن الكلبي عميت ، وعن أبي عمرو غطيت ، وعن قتادة أيضا أخذت ، وعن أبي عبيد غشيت. وأما قراءة التخفيف فقيل : بالتشديد ، إلا أنه للتكثير ، والتخفيف يؤدي عن معناه. وقيل : معنى التشديد أخذت ، ومعنى التخفيف سحرت. والمشهور أن سكر لا يتعدى. قال أبو علي : ويجوز أن يكون سمع متعديا في البصر. وحكى أبو عبيد عن أبي عبيدة أنه يقال : سكرت أبصارهم إذا غشيها سهاد حتى لا يبصروا. وقيل : التشديد من سكر الماء ، والتخفيف من سكر الشراب ، وتقول العرب : سكرت الريح تسكر سكرا إذا ركدت ولم تنفذ لما انتفت بسبيله ، أولا وسكرا الرجل من الشراب سكرا إذا تغيرت حاله وركد ولم ينفذ فيما كان للإنسان أن ينفذ فيه. ومن هذا المعنى سكران لا يبت أي : لا يقطع أمرا. وتقول العرب : سكرت في مجاري الماء إذا طمست ، وصرفت الماء فلم ينفذ لوجهه. فإن كان من سكر الشراب ، أو من سكر الريح ، فالتضعيف للتعدية. أو من سكر مجاري الماء فللتكثير ، لأنّ مخففة متعد. وأما سكرت بالتخفيف فإن كان من سكر الماء ففعله متعد ، أو من سكر الشراب أو الريح فيكون من باب وجع زيد ووجعه غيره ، فتقول : سكر الرجل وسكره غيره ، وسكرت الريح وسكرها غيرها ، كما جاء سعد زيد وسعده غيره. ولخص الزمخشري في هذا فقال :
__________________
(١) سورة الحجر : ١٥ / ٧.