وتقدم شيء من هذه القصة في أوائل البقرة عقب ذكر الإماتة والإحياء والرجوع إليه تعالى. وفي الأعراف بعد ذكر يوم القيامة ، وذكر الموازين فيه. وفي الكهف بعد ذكر الحشر ، وكذا في سورة ص بعد ذكر ما أعد من الجنة والنار لخلقه. فحيث ذكر منتهى هذا الخلق ذكر مبدأهم وقصته مع عدوه إبليس ليحذرهم من كيده ، ولينظروا ما جرى له معه حتى أخرجه من الجنة مقر السعادة والراحة ، إلى الأرض مقر التكليف والتعب ، فيتحرزوا من كيده ، ومن حمإ قال الحوفي بدل من صلصال ، بإعادة الجار. وقال أبو البقاء : من حمإ في موضع جر صفة لصلصال. وقال ابن عباس : المسنون الطين ومعناه المصبوب ، لأنه لا يكون مصبوبا إلا وهو رطب ، فكنى عن المصبوب بوصفه ، لأنه موضوع له. وقال مجاهد وقتادة ومعمر : المنتن. قال الزمخشري : من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به ، فالذي يسيل بينهما سنين ولا يكون إلا منتنا. وقال غيره : من أسن الماء إذا تغير ، ولا يصح لاختلاف المادتين. وقيل : مصبوب من سننت التراب والماء إذا صببته شيئا بعد شيء ، فكان المعنى : أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذوبة في أمثلتها. قال الزمخشري : وحق مسنون بمعنى مصور أن يكون صفة لصلصال ، كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف ، فيبس حتى إذا نقر صلصل ثم غيره بعد. ذلك إلى جوهر آخر انتهى. وقيل : المسنون المصور من سنة الوجه ، وهي صورته. قال الشاعر :
تريك سنة وجه غير مقرفة
وقيل : المسنون المنسوب أي : ينسب إليه ذريته.
والجان : هو أبو الجن ، قاله ابن عباس. قال الزمخشري : والجان للجن كآدم للناس. وقال الحسن وقتادة : هو إبليس ، خلق قبل آدم. وقال ابن بحر : هو اسم لجنس الجن ، والإنسان المراد به آدم ، ومن قبل أي : من قبل خلق الإنسان. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : والجأن بالهمز. والسموم قال ابن عباس : الريح الحارة التي تقتل. وعنه : نار لا دخان لها ، منها تكون الصواعق. وقال الحسن : نار دونها حجاب. وعن ابن عباس : نفس النار ، وعنه : لهب النار. وقيل : نار اللهب السموم. وقيل : أضاف الموصوف إلى صفته أي : النار السموم. وسويته أكملت خلقه ، والتسوية عبارة عن الإتقان ، وجعل أجزائه مستوية فيما خلقت. ونفخت فيه من روحي أي : خلقت الحياة فيه ، ولا نفخ هناك ، ولا منفوخ حقيقة ، وإنما هو تمثيل لتحصيل ما يحيي به فيه. وأضاف الروح إليه تعالى على