أشرف الأجسام بعد الأفلاك والكواكب هو الإنسان ، ثم ذكر الإنسان وأنه مركب من بدن ونفس في كلام كثير يوقف عليه في تفسيره ، ولا نسلم ما ذكره من أنّ الأفلاك والكواكب أشرف من الإنسان. ولما ذكر خلق الإنسان ذكر ما امتن به عليه في قوام معيشته ، فذكر أولا أكثرها منافع ، وألزم لمن أنزل القرآن بلغتهم وذلك الأنعام ، وتقدم شرح الأنعام في الأنعام. والأظهر أن يكون لكم فيها دفء استئناف لذكر ما ينتفع بها من جهتها ، ودفء مبتدأ وخبره لكم ، ويتعلق فيها بما في لكم من معنى الاستقرار. وجوز أبو البقاء أن يكون فيها حالا من دفء ، إذ لو تأخر لكان صفة. وجوز أيضا أن يكون لكم حالا من دفء وفيها الخبر ، وهذا لا يجوز لأنّ الحال إذا كان العامل فيها معنى فلا يجوز تقديمها على الجملة بأسرها ، لا يجوز : قائما في الدار زيد ، فإن تأخرت الحال عن الجملة جازت بلا خلاف ، أو توسطت فأجاز ذلك الأخفش ، ومنعه الجمهور. وأجاز أيضا أن يرتفع دفء بلكم أو نعتها بأل ، والجملة كلها حال من الضمير المنصوب انتهى. ولا تسمى جملة ، لأنّ التقدير : خلقها لكم فيها دفء ، أو خلقها لكم كائنا فيها دفء ، وهذا من قبيل المفرد ، لا من قبيل الجملة. وجوزوا أن يكون لكم متعلقا بخلقها ، وفيها دفء استئناف لذكر منافع الأنعام. ويؤيد كون لكم فيها دفء يظهر فيه الاستئناف مقابلته بقوله : ولكم فيها جمال ، فقابل المنفعة الضرورية بالمنفعة غير الضرورية. وقال ابن عباس : الدفء نسل كل شيء ، وذكره الأموي عن لغة بعض العرب. والظاهر أن نصب والأنعام على الاشتغال ، وحسن النصب كون جملة فعلية تقدمت ، ويؤيد ذلك قراءته في الشاذ برفع الأنعام. وقال الزمخشري ، وابن عطية : يجوز أن يكون قد عطف على البيان ، وعلى هذا يكون لكم استئناف ، أو متعلق بخلقها. وقرأ الزهري وأبو جعفر : دفء بضم الفاء وشدها وتنوينها ، ووجهه أنه نقل الحركة من الهمزة إلى الفاء بعد حذفها ، ثم شدد الفاء إجراء للوصل مجرى الوقف ، إذ يجوز تشديدها في الوقف. وقرأ زيد بن علي : دف بنقل الحركة ، وحذف الهمزة دون تشديد الفاء. وقال صاحب اللوامح : الزهري دف بضم الفاء من غير همز ، والفاء محركة بحركة الهمزة المحذوفة. ومنهم من يعوض من هذه الهمزة فيشدد الفاء ، وهو أحد وجهي حمزة بن حبيب وقفا. وقال مجاهد : ومنافع الركوب ، والحمل ، والألبان ، والسمن ، والنضج عليها ، وغير ذلك. وأفرد منفعة الأكل بالذكر ، كما أفرد منفعة الدفء ، لأنهما من أعظم المنافع.
وقال الزمخشري : (فإن قلت) : تقدم الظرف في قوله : ومنها تأكلون مؤذن ، بالاختصاص وقد يؤكل من غيرها (قلت) : الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في