الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) : مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما امتن بإيجادهم بعد العدم وإيجاد ما ينتفعون به من الأنعام وغيرها من الركوب ، ذكر ما امتن به عليهم من إنزال الماء الذي هو قوام حياتهم وحياة الحيوان ، وما يتولد عنه من أقواتهم وأقواتها من الزرع ، وما عطف عليه فذكر منها الأغلب ، ثم عمم بقوله : ومن كل الثمرات ، ثم أتبع ذلك بخلق الليل الذي هو سكن لهم ، والنهار الذي هو معاش ، ثم بالنيرين اللذين جعلهما الله تعالى مؤثرين بإرادته في إصلاح ما يحتاجون إليه ، ثم بما ذرأ في الأرض.
والظاهر أنّ لكم ، في موضع الصفة لماء ، فيتعلق بمحذوف ، ويرتفع شراب به أي : ماء كائنا لكم منه شراب. ويجوز أن يتعلق بأنزل ، ويجوز أن يكون استئنافا ، وشراب مبتدأ. لما ذكر إنزال الماء أخذ في تقسيمه. والشراب هو المشروب ، والتبعيض في منه ظاهر ، وأما في منه شجر فمجاز ، لما كان الشجر إنباته على سقيه بالماء جعل الشجر من الماء كما قال : أسنمة الآبال في ربابه ، أي في سحاب المطر. وقال ابن الأنباري : هو على حذف المضاف ، إما قبل الضمير أي : ومن جهته ، أو سقيه شجر ، وإما قبل شجر أي : شرب شجر كقوله (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) (١) أي حبه. والشجر هنا كل ما تنبته الأرض قاله الزجاج. وقال : نطعمها اللحم إذا عز الشجر ، فسمى الكلأ شجرا. وقال ابن قتيبة : الشجر هنا الكلأ ، وفي حديث عكرمة : «لا تأكلوا الشجر فإنه سحت» يعني الكلأ.
ويقال : أسام الماشية وسومها جعلها ترعى ، وسامت بنفسها فهي سائمة وسوام رعت حيث شاءت ، قال الزجاج : من السومة ، وهي العلامة ، لأنها تؤثر في الأرض علامات. وقرأ زيد بن علي : تسيمون بفتح التاء ، فإن سمع متعديا كان هو وأسام بمعنى واحد ، وإن كان لازما فتأويله على حذف مضاف يسيمون أي : تسيم مواشيكم لما ذكر ، ومنه شجر. أخذ في ذكر غالب ما ينتفع به من الشجر إن كان المراد من قوله : ومنه شجر العموم ، وإن كان المراد الكلأ فهو استئناف اخبار منافع الماء. ويقال : نبت الشيء وأنبته الله فهو منبوت ، وهذا قياسه منبت. وقيل : يقال أنبت الشجر لازما. وأنشد الفراء :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٩٣.