الأخفش : والنجوم منصوب على إضمار فعل تقديره : وجعل النجوم مسخرات ، فأضمر الفعل. وعلى هذا الإعراب لا تكون مسخرات حالا مؤكدة ، بل مفعولا ثانيا لجعل إن كان جعل المقدرة بمعنى صير ، وحالا مبينة إن كان بمعنى خلق. وتقدم شرح تسخير هذه النيرات في الأعراف. وجمع الآيات هنا ، وذكر العقل ، وأفرد فيما قبل ، وذكر التفكر لأنّ فيما قبل استدلالا بإنبات الماء وهو واحد وإن كثرت أنواع النبات ، والاستدلال هنا متعدّد ، ولأنّ الآثار العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة ، وأبين شهادة للكبرياء والعظمة. وما درأ معطوف على الليل والنهار يعني : ما خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك مختلفا ألوانه من البياض والسواد وغير ذلك. وقيل : مختلفا ألوانه أصنافه كما تقول : هذه ألوان من الثمر ومن الطعام. وقيل : المراد به المعادن. إنّ في ذلك أي : فيما ذرأ على هذه الحال من اختلاف الألوان ، أو أنّ في ذلك أي : اختلاف الألوان. وختم هذا بقوله : يذكرون ، ومعناه الاعتبار والاتعاظ ، كان علمهم بذلك سابق طرأ عليه النسيان فقيل : يذكرون أي : يتذكرون ما نسوا من تسخير هذه المكونات في الأرض.
(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) : لما ذكر تعالى الاستدلال بما ذرأ في الأرض ، ذكر ما امتن به من تسخير البحر. ومعنى تسخيره : كونه يتمكن الناس من الانتفاع به للركوب في المصالح ، وللغوص في استخراج ما فيه ، وللاصطياد لما فيه. والبحر جنس يشمل الملح والعذب ، وبدأ أولا من منافعه بما هو الأهم وهو الأكل ، ومنه على حذف مضاف أي : لتأكلوا من حيوانه طريا ، ثم ثنى بما يتزين به وهو الحلية من اللؤلؤ والمرجان ، ونبه على غاية الحلية وهو اللبس. وفيه منافع غير اللبس ، فاللحم الطري من الملح والعذب ، والحلية من الملح. وقيل : إنّ العذب يخرج منه لؤلؤ لا يلبس إلا قليلا وإنما يتداوى به ، ويقال : إنّ في الزمرد بحريا ، فأما لتأكلوا فعام في النساء والرجال ، وأما تلبسونها فخاص بالنساء. والمعنى : يلبسها نساؤكم. وأسند اللبس إلى الذكور ، لأنّ النساء إنما يتزيّن بالحلية من أجل رجالهن ، فكأنها زينتهم ولباسهم. ولما ذكر تعالى نعمة الأكل منه والاستخراج للحلية ، ذكر نعمة تصرف الفلك فيه ماخرة أي : شاقة فيه ، أو ذات صوت لشق الماء لحمل الأمتعة والأقوات للتجارة وغيرها ، وأسند الرؤية إلى المخاطب المفرد فقال : وترى ، وجعلها جملة معترضة بين التعليلين : تعليل الاستخراج ،