وتعليل الابتغاء ، فلذلك عدل عن جمع المخاطب ، والظاهر عطف ، ولتبتغوا على التعليل قبله كما أشرنا إليه. وأجاز ابن الأنباري أن يكون معطوفا على علة محذوفة أي : لتبتغوا بذلك. ولتبتغوا ، وأن يكون على إضمار فعل أي : وفعل ذلك لتبتغوا. والفضل هنا حصول الأرباح بالتجارة ، والوصول إلى البلاد الشاسعة ، وفي هذا دليل على جواز ركوب البحر. ولعلكم تشكرون ، على ما منحكم من هذه النعم. قيل : خلق الله الأرض فجعلت تمور فقالت الملائكة : ما هي بمقر أحد على ظهرها ، فأصبحت وقد أرسيت بالجبال ، لم تدر الملائكة مم خلقت. وعطف وأنهارا على رواسي. ومعنى ألقى : جعل ، ألا ترى إلى قوله : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً) (١) وقوله : وجعل فيها رواسي ، من فوقها. وقال (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) أي : جعلت وقال ابن عطية : قال المتأولون : ألقى بمعنى خلق وجعل ، وهي عندي أخص من خلق وجعل ، وذلك أن ألقى يقتضي أن الله أوجد الجبال ليس من الأرض لكن من قدرته واختراعه ، ويؤيد هذا النظر ما روي في القصص عن الحسن ، عن قيس بن عباد : أنّ الله تعالى لما خلق الأرض جعلت تمور إلى آخر الكلام السابق ، وهو أيضا مروي عن وهب بن منبه. وقال ابن عطية أيضا : وقوله : وأنهارا ، منصوب بفعل مضمر تقديره : وجعل ، أو خلق أنهارا. وإجماعهم على إضمار هذا الفعل دليل على خصوص ألقى ، ولو كانت ألقى بمعنى خلق لم يحتج إلى هذا الإضمار انتهى. وأي إجماع في هذا ، وقد حكى عن المتأولين أنّ ألقى بمعنى خلق وجعل ، وقال الزمخشري : وأنهارا ، وجعل فيها أنهارا لأنّ ألقى فيه معنى جعل. ألا ترى إلى قوله : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً) (٢). وقال أبو البقاء : أي وشق أنهارا وعلامات أي : وضع علامات ، ويجوز أن يعطف على رواسي. وقال أبو عبد الله الرازي : ثبت في العلوم العقلية أن أكثر الأنهار إنما تتفجر منابعها في الجبال ، فلهذا السبب أتبع ذكرها بتفجير الأنهار ، وسبلا طرقا إلى مقاصدكم لعلكم تهتدون بالسبل إلى مقاصدكم ، هذا هو الظاهر ، ويدل عليه ما بعده. وقال تعالى : وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون. وقيل : تهتدون أي : بالنظر في دلالة هذه المصنوعات على صانعها ، فهو من الهداية إلى الحق ، ودين الله. وعلامات هي معالم الطرق ، وكل ما يستدل به السابلة من جبل وسهل وغير ذلك قاله الزمخشري ، وهو معنى قول ابن عباس. وقال أبو عبد الله الرازي : ورأيت جماعة يتعرفون الطرقات بشم التراب. وقال ابن عيسى : العلامة صورة يعلم بها ما يراد من خط أو لفظ أو
__________________
(١ ، ٢) سورة النبأ : ٧٨ / ٧.