أداء شكر النعم ، ولا يقطعها عنكم لتفريطكم ، ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها. ولما كان الإنسان غير قادر على أداء شكر النعم ، وأن له حالة يعرض فيها منه كفرانها قال في عقب الآية التي في ابراهيم : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (١) أي لظلوم بترك الشكر كفار للنعمة. وفي هذه الآية ذكر الغفران والرحمة لطفا به ، وإيذانا في التجاوز عنه. وأخبر تعالى أنه يعلم ما يسرون ، وضمنه الوعيد لهم ، والإخبار بعلمه تعالى. وفيه التنبيه على نفي هذه الصفة الشريفة عن آلهتهم.
وقرأ الجمهور : بالتاء من فوق في تسرون وتعلنون وتدعون ، وهي قراءة : مجاهد ، والأعرج ، وشيبة ، وأبي جعفر ، وهبيرة ، عن عاصم على معنى : قل لهم. وقرأ عاصم في مشهوره : يدعون بالياء من تحت ، وبالتاء في السابقتين. وقرأ الأعمش وأصحاب عبد الله : يعلم الذي يبدون وما يكتمون ، وتدعون بالتاء من فوق في الثلاثة. وقرأ طلحة : ما يخفون وما يعلنون ، وتدعون بالتاء من فوق ، وهاتان القراءتان مخالفتان لسواد المصحف ، والمشهور ما روي عن الأعمش وغيره ، فوجب حملها على التفسير ، لا على أنها قرآن. ولما أظهر تعالى التباين بين الخالق وغيره ، نص على أنّ آلهتهم لا تخلق ، وعلى أنها مخلوقة. وأخبر أنهم أموات ، وأكد ذلك بقوله : غير أحياء ، ثم نفى عنهم الشعور الذي يكون للبهائم ، فضلا عن العلم الذي تتصف به العقلاء. وعبر بالذين وهو للعاقل عومل غيره معاملته ، لكونها عبدت واعتقدت فيها الألوهية ، وقرأ محمد اليماني : يدعون بضم الياء وفتح العين مبنيا للمفعول ، والظاهر أنّ قوله : وهم يخلقون ، أي : الله أنشأهم واخترعهم. وقال الزمخشري : ووجه آخر وهو أن يكون المعنى : أن الناس يخلقونهم بالنحت والتصوير ، وهم لا يقدرون على ذلك فهم أعجز من عبدتهم انتهى. وأموات خبر مبتدأ محذوف أي : هم أموات. ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر. والظاهر أن هذه كلها مما حدث به عن الأصنام ، ويكون بعثهم إعادتها بعد فنائها. ألا ترى إلى قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (٢). وقيل : معنى بعثها إثارتها ، كما تقول : بعثت النائم من نومه إذا نبهته ، كأنه وصفهم بغاية الجمود أي : وإن طلبتهم بالتحريك أو حركتهم لم يشعروا بذلك ، ونفى عنهم الحياة لأنّ من الأموات ما يعقب موته حياة كالنطف التي ينشئها الله حيوانا ، وأجساد الحيوان التي تبعث بعد موتها. وأما الأصنام من الحجارة والخشب
__________________
(١) سورة ابراهيم : ١٤ / ٣٤.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٢١.