كانوا يبعثون أيام المواسم من يأتيهم بخبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإذا جاء الوفد كفه المقتسمون وأمره بالانصراف وقالوا : إن لم تلقه كان خيرا لك فيقول : أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أستطلع أمر محمد صلىاللهعليهوسلم وأراه ، فيلقى أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيخبرونه بصدقه ، وأنه نبي مبعوث ، فهم الذين قالوا خيرا. والظاهر أن قوله : للذين ، مندرج تحت القول ، وهو تفسير للخير الذي أنزله الله في الوحي : أنّ من أحسن في الدنيا بالطاعة فله حسنة في الدنيا ونعيم في الآخرة بدخول الجنة. وقال الزمخشري : للذين أحسنوا وما بعده بدل من خير ، حكاية لقول الذين اتقوا أي : قالوا هذا القول ، فقدم عليه تسميته خيرا ثم خكاه انتهى. وقالت فرقة : هو ابتداء كلام من الله تعالى ، مقطوع مما قبله ، وهو بالمعنى وعد متصل بذكر إحسان المتقين في مقالتهم. ومعنى حسنة مكافأة في الدنيا بإحسانهم ، ولهم في الآخرة ما هو خير منها. ولما ذكر حال الكفار في الدنيا والآخرة ذكر حال المؤمنين في الدارين ، والظاهر أنّ المخصوص بالمدح هو جنات عدن. وقال الزمخشري : ولنعم دار المتقين دار الآخرة ، فحذف المخصص بالمدح لتقدم ذكره ، وجنات عدن خبر مبتدأ محذوف انتهى. وقاله ابن عطية ، وقبلهما الزجاج وابن الأنباري ، وجوزوا أن يكون جنات عدن مبتدأ ، والخبر يدخلونها. وقرأ زيد بن ثابت وأبو عبد الرحمن جنات عدن بالنصب على الاشتغال أي : يدخلون جنات عدن يدخلونها ، وهذه القراءة تقوي إعراب جنات عدن بالرفع أنه مبتدأ ، ويدخلونها الخبر. وقرأ زيد بن علي : ولنعمت دار ، بتاء مضمومة ، ودار مخفوض بالإضافة ، فيكون نعمت مبتدأ وجنات الخبر. وقرأ السلمي : تدخلونها بتاء الخطاب. وقرأ إسماعيل بن جعفر عن نافع : يدخلونها بياء على الغيبة ، والفعل مبني للمفعول ، ورويت عن أبي جعفر وشيبة : تجري. قال ابن عطية : في موضع الحال ، وقال الحوفي : في موضع نعت لجنات انتهى. فكان ابن عطية لحظ كون جنات عدن معرفة ، والحوفي لحظ كونها نكرة ، وذلك على الخلاف في عدن هل هي علم؟ أو نكرة بمعنى إقامة؟ والكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف أي : جزاء مثل جزاء الذين أحسنوا يجزي ، وطيبين حال من مفعول تتوفاهم ، والمعنى : أنهم صالحو الأحوال مستعدّون للموت والطيب الذي لا خبث فيه ، ومنه : (طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (١).
وقال أبو معاذ : طيبين طاهرين من الشرك بالكلمة الطيبة. وقيل : طيبين سهلة وفاتهم لا صعوبة فيها ولا ألم ، بخلاف ما يقبض روح الكافر والمخلط. وقيل : طيبة نفوسهم
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٧٣.