لا يجب على الله شيء ، لا ثواب عامل ولا غيره من مواجب الحكمة انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. وأكثر الناس هم الكفار المكذبون بالبعث. وأما قول الشيعة : إن الإشارة بهذه الآية إنما هي لعليّ بن أبي طالب ، وأن الله سيبعثه في الدنيا ، فسخافة من القول. والقول بالرجعة باطل وافتراء على الله على عادتهم ، رده ابن عباس وغيره. واللام في ليبين متعلقة بالفعل المقدر بعد بلى أي : نبعثهم ليبين لهم كما يقول الرجل : ما ضربت أحدا فيقول : بلى زيدا أي : ضربت زيدا. ويعود الضمير في يبعثهم المقدر ، وفي لهم على معنى من في قوله : من يموت ، وهو شامل للمؤمنين والكفار. والذي اختلفوا فيه هو الحق وأنهم كانوا كاذبين فيما اعتقدوا من جعل آلهة مع الله ، وإنكار النبوّات ، وإنكار البعث ، وغير ذلك مما أمروا به. وبين لهم أنه دين الله فكذبوا به وكذبوا في نسبة أشياء إلى الله تعالى. وقال الزمخشري : إنهم كذبوا في قولهم : لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ، وفي قولهم : لا يبعث الله من يموت انتهى. وفي قولهم دسيسة الاعتزال. وقيل : تتعلق ليبين بقوله : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ، أي : ليظهر لهم اختلافهم ، وأنّ الكفار كانوا على ضلالة من قبل بعث ذلك الرسول ، كاذبون في رد ما يجيء به الرسل.
(إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) : لما تقدّم إنكارهم البعث وأكدوا ذلك بالحلف بالله الذي أوجدهم ، ورد عليهم تعالى بقوله : (بَلى) (١) وذكر حقية وعده بذلك ، أوضح أنه تعالى متى تعلقت إرادته بوجود شيء أوجده. وقد أقروا بأنه تعالى خالق هذا العالم سمائه وأرضه ، وأن إيجاده ذلك لم يوقف على سبق مادّة ولا آلة ، فكما قدر على الإيجاد ابتداء وجب أن يكون قادرا على الإعادة. وتقدم تفسير قوله تعالى : كن فيكون في البقرة ، فأغنى عن إعادته. والظاهر أن اللام في لشيء وفي له للتبليغ ، كقولك : قلت لزيد قم. وقال الزجاج : هي لام السبب أي : لأجل إيجاد شيء ، وكذلك له أي لأجله. قال ابن عطية : وما في ألفاظ هذه الآية من معنى الاستقبال والاستئناف إنما هو راجع إلى المراد ، لا إلى الإرادة. وذلك أنّ الأشياء المرادة المكونة في وجودها استئناف واستقبال ، لا في إرادة ذلك ، ولا في الأمر به ، لأن ذينك قديمان. فمن أجل المراد عبر بإذا ، ونقول : وأما قوله لشيء فيحتمل وجهين :
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٧٢.