مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) : نزلت في مشركي مكة أنكروا نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا : الله أعظم أن يكون رسوله بشرا ، فهلا بعث إلينا ملكا؟ وتقدّم تفسير هذه الجملة في آخر يوسف ، والمعنى : نوحي إليهم على ألسنة الملائكة. وقرأ الجمهور : يوحى بالياء وفتح الحاء ، وقرأت فرقة : بالياء وكسرها وعبد الله ، والسلمي ، وطلحة ، وحفص : بالنون وكسرها. وأهل الذكر : اليهود ، والنصارى ، قاله : ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن. وعن مجاهد أيضا : اليهود. والذكر : التوراة لقوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) (١) وعن عبد الله بن سلام ، وسلمان. وقال الأعمش ، وابن عيينة : من أسلم من اليهود والنصارى. وقال الزجاج : عام فيمن يعزى إليه علم. وقال أبو جعفر وابن زيد : أهل القرآن. ويضعف هذا القول وقول من قال : من أسلم من الفريقين ، لأنه لا حجة على الكفار في إخبار المؤمنين ، لأنهم مكذبون لهم. قال ابن عطية : والأظهر أنهم اليهود والنصارى الذين لم يسلموا ، وهم في هذه الآية النازلة ، إنما يخبرون من الرسل عن البشر ، وإخبارهم حجة على هؤلاء ، فإنهم لم يزالوا مصدقين لهم ، ولا يتهمون بشهادة لهم لنا ، لأنهم مدافعون في صدر ملة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهذا هو كسر حجتهم ومذهبهم ، لا أنا افتقرنا إلى شهادة هؤلاء ، بل الحق واضح في نفسه. وقد أرسلت قريش إلى يهود يثرب يسألونهم ويسدون إليهم انتهى. والأجود أن يتعلق قوله : بالبينات ، بمضمر يدل عليه ما قبله كأنه قيل : ثم أرسلوا؟ قال : أرسلناهم بالبينات والزبر ، فيكون على كلامين ، وقاله : الزمخشري وابن عطية وغيرهما. وقد يتعلق بقوله : وما أرسلنا ، وهذا فيه وجهان : أحدهما : أنّ النية فيه التقديم قبل أداة الاستثناء ، والتقدير : وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالا حتى لا يكون ما بعد إلا معمولين متأخرين لفظا ورتبة ، داخلين تحت الحصر لما قبلها ، وهذا حكاه ابن عطية عن فرقة. والوجه الثاني : أن لا ينوي به التقديم ، بل وقعا بعد إلا في نية الحصر ، وهذا قاله الحوفي والزمخشري ، وبدأ به قال : تتعلق بما أرسلنا داخلا تحت حكم الاستثناء مع رجالا أي : وما أرسلنا إلا رجالا بالبينات ، كقولك : ما ضربت إلا زيدا بالسوط ، لأن أصله ضربت زيدا بالسوط انتهى. وقال أبو البقاء : وفيه ضعف ، لأنّ ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها إذا تم الكلام على إلا وما يليها ، إلا أنه قد جاء في الشعر. قال الشاعر :
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٠٥.