في الدنيا لنحسنن إليهم ، فحسنة في معنى إحسانا. وقال أبو البقاء : حسنة مفعول ثان لنبوأنهم ، لأنّ معناه لنعطينهم ، ويجوز أن يكون صفة لمحذوف أي : دار حسنة انتهى. وقال الحسن ، والشعبي ، وقتادة : دارا حسنة وهي المدينة. وقيل : التقدير منزلة حسنة ، وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموا ، وعلى العرب قاطبة ، وعلى أهل المشرق والمغرب. وقال مجاهد : الرزق الحسن. وقال الضحاك : النصر على عدوهم. وقيل : ما استولوا عليه من فتوح البلاد وصار لهم فيها من الولايات. وقيل : ما بقي لهم فيها من الثناء ، وما صار فيها لأولادهم من الشرف. وقيل : الحسنة كل شيء مستحسن ناله المهاجرون. وقرأ عليّ ، وعبد الله ، ونعيم بن ميسرة ، والربيع بن خيثم : لنثوينهم بالثاء المثلثة ، مضارع أثوى المنقول بهمزة التعدية من ثوى بالمكان أقام فيه ، وانتصب حسنة على تقدير إثواءة حسنة ، أو على نزع الخافض أي : في حسنة ، أي : دار حسنة ، أو منزلة حسنة. ودل هذا الإخبار بالمؤكد بالقسم على عظيم محل الهجرة ، لأنه بسببها ظهرت قوة الإسلام كما أنّ بنصرة الأنصار قويت شوكته. وفي الله دليل على إخلاص العمل لله ، ومن هاجر لغير الله هجرته لما هاجر إليه. وفي الإخبار عن الذين بجملة القسم المحذوفة الدال عليها الجملة المقسم عليها دليل على صحة وقوع الجملة القسمية خبرا للمبتدأ ، خلافا لثعلب. وأجاز أبو البقاء أن يكون الذين منصوبا بفعل محذوف يدل عليه لنبوأنهم ، وهو لا يجوز لأنه لا يفسر إلا ما يجوز له أن يعمل. ولا يجوز زيدا لأضربن ، فلا يجوز زيدا لأضربنه. وعن عمر رضياللهعنه : أنه كان إذا أعطى رجلا من المهاجرين عطاءه قال : خذ بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أكثر ، ولأجر الآخرة أي : ولأجر الدار الآخرة أكبر ، أي : أكبر أن يعلمه أحد قبل مشاهدته كما قال : وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا. والضمير في يعلمون عائد على الكفار أي : لو كانوا يعلمون أن الله يجمع لهؤلاء المستضعفين في أيديهم الدنيا والآخرة لرغبوا في دينهم. وقيل : يعود على المؤمنين أي لو كانوا يعلمون ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم ، والذين صبروا على تقديرهم الذين ، أو أعني الذين صبروا على العذاب ، وعلى مفارقة الوطن ، لا سيما حرم الله المحبوب لكل قلب مؤمن ، فكيف لمن كان مسقط رأسه؟ وعلى بذل الروح في ذات الله ، واحتمال الغربة في دار لم ينشأ بها ، وناس لم يألفهم أجانب حتى في النسب.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * أَفَأَمِنَ الَّذِينَ