عملهما ، لأن اللام مشعرة بالتعليل ، وكي حرف مصدري ، واللام جارة ، وكي ناصبة. وقال ابن عطية : يشبه أن تكون لام صيرورة والمعنى : ليصير أمره بعد العلم بالأشياء إلى أن لا يعلم شيئا. وهذه عبارة عن قلة علمه ، لا أنه لا يعلم شيئا البتة. وقال الزمخشري : ليصير إلى حالة شبيهة بحالة في النسيان ، وأن يعلم شيئا ثم يسرع في نسيانه فلا يعلمه إن سئل عنه. وقيل : لئلا يعقل من بعد عقله الأول شيئا. وقيل : لئلا يعلم زيادة علم على علمه انتهى. وانتصب شيئا إما بالمصدر على مذهب البصريين في اختيار أعماله ما يلي للقرب ، أو بيعلم على مذهب الكوفيين في اختيار أعمال ما سبق للسبق.
ولما ذكر ما يعرض في الهرم من ضعف القوى والقدرة وانتفاء العلم ، ذكر علمه وقدرته اللذين لا يتبدلان ولا يتغيران ولا يدخلهما الحوادث ، ووليت صفة العلم ما جاورها من انتفاء العلم ، وتقدم أيضا ذكر مناسبة للختم بهذين الوصفين. ولما ذكر تعالى خلقنا ، ثم إماتتنا وتفاوتنا في السن ، ذكر تفاوتنا في الرزق ، وأن رزقنا أفضل من رزق المماليك وهم بشر مثلنا ، وربما كان المملوك خيرا من المولى في العقل والدين والتصرف ، وأن الفاضل في الرزق لا يساهم مملوكه فيما رزق فيساويه ، وكان ينبغي أن يردّ فضل ما رزق عليه ويساويه في المطعم والملبس ، كما يحكى عن أبي ذرّ أنه ريء عبده وإزاره ورداؤه مثل ردائه من غير تفاوت ، عملا بقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تطعمون» وعن ابن عباس وقتادة : أنّ الإخبار بقوله : فما الذين فضلوا برادي رزقهم على سبيل المثل أي : إنّ المفضلين في الرزق لا يصح منهم أن يساهموا مماليكهم فيما أعطوا حتى تستوي أحوالهم ، فإذا كان هذا في البشر فكيف تنسبون أنتم أيها الكفرة إلى الله تعالى أنه يشرك في ألوهيته الأوثان والأصنام ، ومن عبد من الملائكة وغيرهم والجميع عبيده وخلقه؟ وعن ابن عباس : أن الآية مشيرة إلى عيسى ابن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. وقال المفسرون : هذه الآية كقوله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) (١) الآية. وقيل : المعنى أن الموالي والمماليك أنا رازقهم جميعا ، فهم في رزقي سواء ، فلا تحسبن الموالي أنهم يردون على مماليكهم من عندهم شيئا من الرزق ، فإنما ذلك أجريه إليهم على أيديهم. وعلى هذا القول يكون فهم فيه سواء جملة إخبار عن تساوي الجميع في أن الله تعالى هو رازقهم ، وعلى القولين الآخرين تكون الجملة فى
__________________
(١) سورة الروم : ٣٠ / ٢٨.