موضع جواب النفي كأنه قيل : فيستووا. وقيل : هي جملة استفهامية حذف منها الهمزة التقدير : أفهم فيه سواء أي : ليسوا مستوين في الرزق ، بل التفضيل واقع لا محالة. ثم استفهم عن جحودهم نعمة استفهام إنكار ، وأتى بالنعمة الشاملة للرزق وغيره من النعم التي لا تحصى أي : إنّ من تفضل عليكم بالنشأة أولا ثم مما فيه قوام حياتكم جدير بأن تشكر نعمه ولا تكفر.
وقرأ أبو بكر عن عاصم ، وأبو عبد الرحمن ، والأعرج بخلاف عنه : تجحدون بالتاء على الخطاب لقوله : فضل ، تبكيتا لهم في جحد نعمة الله. ولما ذكر تعالى امتنانه بالإيجاد ثم بالرزق المفضل فيه ، ذكر امتنانه بما يقوم بمصالح الإنسان مما يأنس به ويستنصر به ويخدمه ، واحتمل من أنفسكم أن يكون المراد من جنسكم ونوعكم ، واحتمل أن يكون ذلك باعتبار خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم ، فنسب ذلك إلى بني آدم ، وكلا الاحتمالين مجاز. والظاهر أن عطف حفدة على بنين يفيد كون الجميع من الأزواج ، وأنهم غير البنين. فقال الحسن : هم بنو ابنك. وقال ابن عباس والأزهري : الحفدة أولاد الأولاد ، واختاره ابن العربي. وقال ابن عباس أيضا : البنون صغار الأولاد ، والحفدة كبارهم. وقال مقاتل : بعكسه ، وقيل : البنات لأنهنّ يخدمن في البيوت أتم خدمة. ففي هذا القول خص البنين بالذكران لأنه جمع مذكر كما قال : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) (١) وإنما الزينة في الذكورة. وعن ابن عباس : هم أولاد الزوجة من غير الزوج التي هي في عصمته. وقيل : وحفدة منصوب بجعل مضمرة ، وليسوا داخلين في كونهم من الأزواج. فقال ابن مسعود ، وعلقمة ، وأبو الضحى ، وابراهيم بن جبير : الأصهار ، وهم قرابة الزوجة كأبيها وأخيها. وقال مجاهد : هم الأنصار والأعوان والخدم. وقالت فرقة : الحفدة هم البنون أي : جامعون بين البنوة والخدمة ، فهو من عطف الصفات لموصوف واحد. قال ابن عطية ما معناه : وهذه الأقوال مبنية على أن كل أحد جعل له من زوجه بنين وحفدة ، وهذا إنما هو في الغالب وعظم الناس. ويحتمل عندي أن قوله من أزواجكم ، إنما هو على العموم والاشتراك أي : من أزواج البشر جعل الله منهم البنين ، ومنهم جعل الخدمة ، وهكذا رتبت الآية النعمة التي تشمل العالم. ويستقيم لفظ الحفدة على مجراها في اللغة ، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة انتهى. وفي قوله : من أنفسكم أزواجا دلالة على كذب العرب في
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٤٦.