الانفصال في الإضافة حسن عمله ، وقد جاء عاملا مع الألف واللام في قول الشاعر :
ضعيف النكاية أعداءه
البيت. وقوله :
لحقت فلم أنكل عن الضرب مسمعا
انتهى. أما قوله : يعمل مضافا بالاتفاق إن عنى من البصريين فصحيح ، وإن عنى من النحويين فغير صحيح ، لأنّ بعض النحويين ذهب إلى أنه وإن أضيف لا يعمل ، وإن نصب ما بعده أو رفعه إنما هو على إضمار الفعل المدلول عليه بالمصدر. وأما قوله : لأنه في تقدير الانفصال ليس كذلك ، لأنه لو كان في تقدير الانفصال لكانت الإضافة غير محضة ، وقد قال بذلك أبو القاسم بن برهان ، وأبو الحسين بن الطراوة ، ومذهبهما فاسد لنعت هذا المصدر المضاف ، وتوكيده بالمعرفة. وأما قوله : ولا يعمل إلى آخره فقد ناقض في قوله أخيرا : وقد جاء عاملا مع الألف واللام. وأما كونه لا يعمل مع الألف واللام فهو مذهب منقول عن الكوفيين ، ومذهب سيبويه جواز أعماله. قال سيبويه : وتقول عجبت من الضرب زيدا ، كما تقول : عجبت من الضارب زيدا ، تكون الألف واللام بمنزلة التنوين. وإذا كان رزقا يراد به المرزوق فقالوا : انتصب شيئا على أنه بدل من رزقا ، كأنه قيل : ما لا يملك لهم من السموات والأرض شيئا ، وهو البدل جاريا على جهة البيان لأنه أعم من رزق ، ولا على جهة التوكيد لأنه لعمومه ليس مرادفا ، فينبغي أن لا يجوز ، إذ لا يخلو البدل من أحد نوعيه هذين : إما البيان ، وإما التوكيد. وأجازوا أيضا أن يكون مصدرا أي : شيئا من الملك كقوله : ولا تضرونه شيئا أي شيئا من الضرر. وعلى هذين الإعرابين تتعلق من السموات بقوله : لا يملك ، أو يكون في موضع الصفة لرزق فيتعلق بمحذوف.
ومن السموات رزقا يعني به المطر ، وأطلق عليه رزق لأنه عنه ينشأ الرزق. والأرض يعني : الشجر ، والثمر ، والزرع. والظاهر عود الضمير في يستطيعون على ما على معناها ، لأنه يراد بها آلهتهم ، بعد ما عاد على اللفظ في قوله : ما لا يملك ، فأفرد وجاز أن يكون داخلا في صلة ما ، وجاز أن لا يكون داخلا ، بل إخبار عنهم بانتفاء الاستطاعة أصلا ، لأنهم أموات. وأما قول الزمخشري : إنه يراد بالجمع بين نفي الملك والاستطاعة التوكيد فليس كما ذكر ، لأنّ نفي الملك مغاير لنفي الاستطاعة. وقال ابن عباس : ولا يستطيعون أن يرزقوا أنفسهم. وجوز الزمخشري وابن عطية : أن يعود الضمير على ما عاد عليه في قوله :