حملت على إذا لجامع ما اشتركا فيه من الشرطية ، ثم حذفت الياء من لا يأت تخفيفا ، أو جزمه على توهم أنه نطق بأينما المهملة معملة لقراءة من قرأ أنه من يتقي ويصبر في أحد الوجهين ، ويكون معنى يوجه يتوجه ، فهو فعل لازم لا متعد.
ثم ذكر تعالى أنه له غيب السموات والأرض ، وهو ما غاب عن العباد وخفي فيهما عنهم علمه. والظاهر اتصاله بقوله : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١) أخبر باستئثاره بعلم غيب السموات والأرض ، بكمال قدرته على الإتيان بالساعة التي تنكرونها في لمحة البصر أو أقرب ، والمعنى بهذا الإخبار : أنّ الآلهة التي تعبدونها منتف عنها هذان الوصفان اللذان للإله وهما : العلم المحيط بالمغيبات ، والقدرة البالغة التامّة. ومن ذكر أنّ قوله : ومن يأمر بالعدل هو الله تعالى ، ذكر ارتباط هذه الجملة بما قبلها بأنّ من يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو الكامل في العلم والقدرة ، فبين ذلك بهذه الجملة. قيل : والغيب هنا ما لا يدرك بالحس ، ولا يفهم بالعقل. وقال المفضل : ما غاب عن الخلق هو في قبضته لا يعزب عنه. وقيل : هو ما في قوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) (٢) وقال الزمخشري : أو أراد بغيب السموات والأرض يوم القيامة ، على أن علمه غائب عن أهل السموات والأرض لم يطلع عليه أحد منهم. قيل : لما كانت الساعة آتية ولا بد ، جعلت من القرب كلمح البصر. وقال الزجاج : لم يرد أنّ الساعة تأتي في لمح البصر ، وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها أي : يقول للشيء كن فيكون. وقيل : هذا تمثيل للقرب كما تقول : ما السنة إلا لحظة. وقال الزمخشري : هو عند الله وإن تراخى ، كما يقولون أنتم في الشيء التي تستقربونه : كلمح البصر ، أو هو أقرب إذا بالغتم في استقرابه ونحوه قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) (٣) و (لَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) (٤) (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٥) أي هو عنده دان ، وهو عندكم بعيد. وقيل : المعنى أنّ إقامة الساعة وإماتة الأحياء ، وإحياء الأموات من الأولين والآخرين ، يكون في أقرب وقت أوحاه. أنّ الله على كل شيء قدير ، فهو يقدر على أن يقيم الساعة ، ويبعث الخلق ، لأنه بعض المقدورات. وقال ابن عطية : والمعنى على ما قال قتادة وغيره ، وما تكون الساعة وإقامتها في قدرة الله تعالى إلا أن يقول لها : كن فلو اتفق أن يقف على ذلك شخص من البشر لكانت من السرعة
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢١٦.
(٢) سورة لقمان : ٣١ / ٣٤.
(٣) سورة الحج : ٢٢ / ٤٧.
(٤) سورة الحج : ٢٢ / ٤٧.
(٥) سورة الحج : ٢٢ / ٤٧.