الآخرة لا يكون فيه تخفيف ولا نظرة. والظاهر أنّ جواب إذا قوله فلا يخفف ، وهو على إضمار هو أي : فهو لا يخفف ، لأنه لو لا تقدير الإضمار لم تدخل الفاء ، لأن جواب إذا إذا كان مضارعا لا يحتاج إلى دخول الفاء ، سواء كان موجبا أم منفيا ، كما قال تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ) (١) وتقول : إذا جاء زيد لا يجيء عمرو. قال الحوفي : فلا يخفف جواب إذا ، وهو العامل في إذا ، وقد تقدم لنا أنّ ما تقدم فاء الجواب في غير أما لا تعمل فيما قبله ، وبينا أنّ العامل في إذا الفعل الذي يليها كسائر أدوات الشرط ، وإن كان ليس قول الجمهور. وجعل الزمخشري جواب إذا محذوفا فقال : وقد قدر العامل في يوم نبعث مجزوما قال : ويوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه ، وكذلك وإذا رأوا العذاب بغتهم وثقل عليهم فلا يخفف ولا هم ينظرون كقوله : (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً) (٢) فتبهتهم الآية انتهى. والظاهر أن قوله : شركاءهم ، عام في كل من اتخذوه شريكا لله من صنم ووثن وآدمي وشيطان وملك ، فيكذبهم من له منهم عقل ، فيكون : فألقوا عائدا على من له الكلام ، ويجوز أن يكون عاما ينطق الله تعالى بقدرته الأوثان والأصنام. وإضافة الشركاء إليهم على هذا القول لكونهم هم الذين جعلوهم شركاء لله. وقال الحسن : شركاؤهم الشياطين ، شركوهم في الأموال والأولاد كقوله تعالى : (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) (٣) ، وقيل : شركاؤهم في الكفر. وعلى القول الأول شركاؤهم في أن اتخذوهم آلهة مع الله وعبدوهم ، أو شركاؤهم في أن جعلوا لهم نصيبا من أموالهم وأنعامهم ، والظاهر أنّ القول منسوب إليهم حقيقة. وقيل : منسوب إلى جوارحهم ، لأنهم لما أنكروا الإشراك بقولهم : (إِلَّا أَنْ قالُوا : وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٤) أصمت الله ألسنتهم وأنطق جوارحهم. ومعنى : تدعو ، ونعبد قالوا ذلك رجاء أن يشركوا معهم في العذاب ، إذ يحصل التأسي ، أو اعتذارا عن كفرهم إذ زين لهم الشيطان ذلك وحملهم عليه ، إن كان الشركاء هم الشياطين. وقال أبو مسلم الأصبهاني. قالوا : ذلك إحالة هذا الذنب على تلك الأصنام ، وظنا أن ذلك ينجيهم من عذاب الله أو من عذابهم ، فعند ذلك تكذيبهم تلك الأصنام. وقال القاضي : هذا بعيد ، لأنّ الكفار يعلمون علما ضروريا في الآخرة أن العذاب سينزل بهم ، ولا نصرة ، ولا فدية ، ولا شفاعة. وتقدم الإخبار بأنهم شركاء ، والإخبار أنهم كانوا يدعونهم : أي يعبدونهم ، فاحتمل التكذيب أن يكون عائدا للإخبار الأول أي : لسنا شركاء
__________________
(١) سورة الحج : ٢٢ / ٧٢.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٤٠.
(٣) سورة الإسراء : ١٧ / ٦٤.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ٢٣.