في صفة الشهيد من أنفسهم ، وهذا بعيد لمقابلته بقوله : وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ، فيقتضي المقابلة أنّ الشهداء على الأمم أنبياؤهم كرسول الله صلىاللهعليهوسلم. ونزلنا استئناف إخبار ، وليس داخلا مع ما قبله لاختلاف الزمانين. لما ذكر ما شرفه الله به من الشهادة على أمته ، ذكر ما أنزل عليه مما فيه بيان كل شيء من أمور الدين ، ليزيح بذلك علتهم فيما كلفوا ، فلا حجة لهم ولا معذرة. والظاهر أنّ تبيانا مصدر جاء على تفعال ، وإن كان باب المصادر أن يجيء على تفعال بالفتح كالترداد والتطواف ، ونظير تبيان في كسر تائه تلقاء. وقد جوّز الزجاج فتحه في غير القرآن. وقال ابن عطية : تبيانا اسم وليس بمصدر ، وهو قول أكثر النحاة. وروى ثعلب عن الكوفيين ، والمبرد عن البصريين : أنه مصدر ولم يجىء على تفعال من المصادر إلا ضربان : تبيان وتلقاء.
قال الزمخشري : (فإن قلت) : كيف كان القرآن تبيانا لكل شيء؟ (قلت) : المعنى أنه بين كل شيء من أمور الدين حيث كان نصا على بعضها وإحالة على السنة ، حيث أمر فيه باتباع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وطاعته. وقيل : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) (١) وحثا على الإجماع في قوله (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) وقد رضي رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأمته اتباع أصحابه ، والاقتداء بآثارهم في قوله : «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وقد اجتهدوا ، وقاسوا ، ووطئوا طرق القياس والاجتهاد ، فكانت السنة والإجماع والقياس والاجتهاد مستندة إلى تبيين الكتاب ، فمن ثم كان تبيانا لكل شيء. وقوله : وقد رضي رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى قوله : اهتديتم ، لم يقل ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو حديث موضوع لا يصح بوجه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم في رسالته في إبطال الرأي ، والقياس ، والاستحسان ، والتعليل ، والتقليد ما نصه : وهذا خبر مكذوب موضوع باطل لم يصح قط ، وذكر إسناده إلى البزار صاحب المسند قال : سألتم عما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم مما في أيدي العامة ترويه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : إنما مثل أصحابي كمثل النجوم أو كالنجوم ، بأيها اقتدوا اهتدوا. وهذا كلام لم يصح عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، رواه عبد الرحيم بن زيد العمي ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم. وإنما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم ، لأن أهل العلم سكتوا عن الرواية لحديثه. والكلام أيضا منكر عن النبي صلىاللهعليهوسلم ولم يثبت ، والنبي صلىاللهعليهوسلم لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه ، هذا نص
__________________
(١) سورة النجم : ٥٣ / ٣.