وعقد الله علم لما عقده الإنسان والتزمه مما يوافق الشريعة. وقال الزمخشري : هي البيعة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) (١) وكأنه لحظ ما قيل أنها نزلت في الذين بايعوا الرسول صلىاللهعليهوسلم على الإسلام ، رواه عن بريدة. وقال قتادة ومجاهد : فيما كان من تحالف الجاهلية في أمر بمعروف أو نهي عن منكر. وقال ميمون بن مهران : الوفاء لمن عاهدته مسلما كان أو كافرا ، فإنما العهد لله. وقال الأصم : الجهاد وما فرض في الأموال من حق. وقيل : اليمين بالله ، ولا تنقضوا العهود الموثقة بالإيمان ، نهى عن نقضها تهمما بها بعد توكيدها أي : توثيقها باسم الله وكفالة الله وشهادته ، ومراقبته ، لأن الكفيل مراع لحال المكفول به. ولا تكونوا أي : في نقض العهد بعد توكيده بالله كالمرأة الورهاء تبرم فتل غزلها ثم تنقضه نكثا ، وهو ما يحل فتله. والتشبيه لا يقتضي تعيين المشبه به. وقال السدي ، وعبد الله بن كثير : هي امرأة حمقاء كانت بمكة. وعن الكلبي ومقاتل : هي من قريش خرقاء اسمها ريطة بنت سعد بن تيم ، تلقب بجفراء ، اتخذت مغزلا قدر ذراع ، وصنارة مثل أصبع ، وفلكة عظيمة على قدرها ، فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ، ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن. وعن مجاهد : هذا فعل نساء أهل نجد ، تنقض إحداهن غزلها ثم تنفشه ، وتخلطه بالصوف فتغزله. وقال ابن الأنباري : ريطة بنت عمرو المرية ، ولقبها الجفراء من أهل مكة ، وكانت معروفة عند المخاطبين. والظاهر أنّ المراد بقوله : من بعد قوّة أي : شدة حدثت من تركيب قوى الغزل. ولو قدرناها واحدة القوى لم تكن تنتقض أنكاثا. والنكث في اللغة الحبل إذا انتقضت قواه. وقال مجاهد : المعنى من بعد إمرار قوة. والدخل : الفساد والدغل ، جعلوا الإيمان ذريعة إلى الخدع والغدر ، وذلك أن المحلوف له مطمئن ، فيمكن الحالف ضره بما يريده. قالوا : نزلت في العرب كانوا إذا حالفوا قبيلة فجاء أكثر منها عددا حالفوه وغدروا بالتي كانت أقل. وقيل : أن تكونوا أنتم أزيد خبرا ، فأسند إلى أمة ، والمراد المخاطبون. وقال ابن بحر : الدخل والداخل في الشيء لم تكن منه ، ودخلا مفعول ثان. وقيل : مفعول من أجله ، وأن تكون أي : بسبب أن تكون وهي أربى مبتدأ وخبر. وأجاز الكوفيون أن تكون هي عمادا يعنون فضلا ، فيكون أربى في موضع نصب ، ولا يجوز ذلك عند البصريين لتنكير أمة. والضمير في به عائد على المصدر المنسبك من أن تكون أي : بسبب كون أمة أربى من أمة يختبركم بذلك. قال الزمخشري : لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله ، وما عقدتم على أنفسكم ووكدتم من
__________________
(١) سورة الفتح : ٤٨ / ١٠.