قدم وبجمع الضمير في : وتذوقوا. وما مصدرية في بما صددتم ، أي : بصدودكم أو بصدكم غيركم ، لأنهم لو نقضوا الأيمان وارتدوا لاتخذ نقضها سنة لغيرهم فيسبون بها ، وذوق السوء في الدنيا. ولكم عذاب عظيم أي : في الآخرة. والسوء : ما يسوءهم من قتل ، ونهب ، وأسر ، وجلاء ، وغير ذلك مما يسوء.
قال ابن عطية : وقوله صددتم عن سبيل الله ، يدل على أنّ الآية فيمن بايع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعلى هذا فسر الزمخشري قال : لأنهم قد نقضوا أيمان البيعة. ولا يدل على ذلك لخصوصه ، بل نقض الأيمان في البيعة مندرج في العموم. ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ، هذا نهي عن نقض ما بين الله تعالى والعبد لأخذ حطام من عرض الدنيا. قال الزمخشري : كان قوم ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين وإيذائهم لهم ، ولما كانوا يعدونهم إن رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فثبتهم الله. ولا تشتروا : ولا تستبدلوا بعهد الله وبيعة رسول الله ثمنا قليلا عرضا من الدنيا يسيرا ، وهو ما كانت قريش يعدونهم ويمنونهم إن رجعوا أنّ ما عند الله من إظهاركم وتغنيمكم ومن ثواب الآخرة خير لكم. وقال ابن عطية : هذه آية نهي عن الرشا وأخذ الأموال على ترك ما يجب على الآخذ فعله ، أو فعل ما يجب عليه تركه ، فإن هذه هي التي عهد الله إلى عباده فيها وبين تعالى الفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة ، بأنّ هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان ، وينقضي عنها ، والتي في الآخرة باقية دائمة. ودل قوله : وما عند الله باق ، على أن نعيم الجنة لا ينقطع ، وفي ذلك حجة على جهم بن صفوان إذ زعم أن نعيم الجنة منقطع. وقرأ عاصم ، وابن كثير : ولنجزين بالنون ، وباقي السبعة بالياء. وصبروا : أي جاهدوا أنفسهم على ميثاق الإسلام وأذى الكفار ، وترك المعاصي ، وكسب المال بالوجه الذي لا يحل بأحسن ما كانوا يعملون. قيل : من التنفل بالطاعات ، وكانت أحسن لأنها لم يحتم فعلها ، فكان الإنسان يأتي بالتنفلات مختارا غير ملزوم بها. وقيل : ذكر الأحسن ترغيبا في عمله ، وإن كانت المجازاة على الحسن والأحسن. وقيل : الأحسن هنا بمعنى الحسن ، فليس أفعل التي للتفضيل. والذي يظهر أنّ المراد بالأحسن هنا الصبر أي : وليجزين الذين صبروا بصبرهم أي : بجزاء صبرهم ، وجعل الصبر أحسن الأعمال لاحتياج جميع التكاليف إليه ، فالصبر هو رأسها ، فكان الأحسن لذلك. ومن صالحة للمفرد والمذكر وفروعهما. لكن يتبادر إلى الذهن الإفراد والتذكير ، فبين بالنوعين ليعم الوعد كليهما. وهو مؤمن : جملة حالية ، والإيمان شرط في العمل