العذاب بسبب التكذيب. ويؤيد كونها مكية قوله : ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه ، ويجوز أن يكون قرية من قرى الأولين. وعن حفصة : أنها المدينة. وقال ابن عطية : يتوجه عندي أنها قصد بها قرية غير معينة ، جعلت مثلا لمكة على معنى التحذير لأهلها ولغيرها من القرى إلى يوم القيامة. وقال الزمخشري : يجوز أن يراد قرية مقدرة على هذه الصفة ، وأن يكون في قرى الأولين قرية كانت هذه حالها ، فضربها الله مثلا لمكة إنذارا من مثل عاقبتها انتهى. ولا يجوز أن يراد قرية مقدرة على هذه الصفة ، بل لا بد من وجودها لقوله : ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون. كانت آمنة ابتدأ بصفة الأمن ، لأنه لا يقيم لخائف. والاطمئنان زيادة في الأمن ، فلا يزعجها خوف. يأتيها رزقها أقواتها واسعة من جميع جهاتها ، لا يتعذر منها جهة. وأنعم جمع نعمة ، كشدّة وأشد. وقال قطرب : جمع نعم بمعنى النعيم ، يقال : هذه أيام طعم ونعم انتهى. فيكون كبؤس وأبؤس. وقال الزمخشري : جمع نعمة على ترك التاء ، والاعتداد بالتاء كدرع وأدرع. وقال العقلاء : ثلاثة ليس لها نهاية : الأمن ، والصحة والكفاية. قال أبو عبد الله الرازي : أمنة إشارة إلى الأمن ، مطمئنة إشارة إلى الصحة ، لأن هواء ذلك لما كان ملازما لأمزجتهم اطمأنوا إليها واستقروا ، يأتيها رزقها السبب في ذلك دعوة إبراهيم عليهالسلام : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) (١) وقال : الأنعم جمع نعمة وجمع قلة ، ولم يأت بنعم الله وذلك أنه قصد التنبيه بالأدنى على الأعلى بمعنى أنّ كفران النعم القليلة أوجب العذاب ، فكفران الكثيرة أولى بإيجابه. قال ابن عطية : لما باشرهم ذلك صار كاللباس ، وهذا كقول الأعشى :
إذا ما الضجيع ثنى جيدها |
|
تثنت فكانت عليه لباسا |
ونحو قوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) (٢) ومنه قول الشاعر :
وقد لبست بعد الزبير مجاشع |
|
ثياب التي حاضت ولم تغسل الدما |
كأن العار لما باشرهم ولصق بهم جعلهم لبسوه. وقوله : فأذاقها الله ، نظير قوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٣) ونظير قول الشاعر :
__________________
(١) سورة ابراهيم : ١٤ / ٣٧.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٨٧.
(٣) سورة الدخان : ٤٤ / ٤٩.