القريب الواقع من النفس أجمل موقع. وعن ابن عباس : أنّ الحكمة القرآن ، وعنه : الفقه. وقيل : النبوّة. وقيل : ما يمنع من الفساد من آيات ربك المرغبة والمرهبة. والموعظة الحسنة مواعظ القرآن عن ابن عباس ، وعنه أيضا : الأدب الجميل الذي يعرفونه. وقال ابن جرير : هي العبر المعدودة في هذه السورة. وقال ابن عيسى : الحكمة المعروفة بمراتب الأفعال والموعظة الحسنة أن تختلط الرغبة بالرهبة ، والإنذار بالبشارة. وقال الزمخشري : إلى سبيل ربك الإسلام ، بالحكمة بالمقالة المحكمة الصحيحة ، وهي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة ، والموعظة الحسنة وهي التي لا تخفى عليهم إنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم فيها ، ويجوز أن يريد القرآن أي : ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظة حسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة ولا تعنيف. وقال ابن عطية : الموعظة الحسنة التخويف والترجئة والتلطف بالإنسان بأن تجله وتنشطه ، وتجعله بصورة من قبل الفضائل ونحو هذا. وقالت فرقة : هذه الآية منسوخة بآية القتال ، وقالت فرقة : هي محكمة.
وإن عاقبتم أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة وغيره في يوم أحد ، ووقع ذلك في صحيح البخاري ، وفي كتاب السير. وذهب النحاس إلى أنها مكية ، والمعنى متصل بما قبلها اتصالا حسنا ، لأنها تتدرج الذنب من الذي يدعي ، وتوعظ إلى الذي يجادل ، إلى الذي يجازى على فعله ، ولكن ما روى الجمهور أثبت انتهى. وذهبت فرقة منهم ابن سيرين ومجاهد : إلى أنها نزلت فيمن أصيب بظلامة أن لا ينال من ظالمه إذا تمكن الأمثل ظلامته لا يتعداها إلى غيرها ، وسمى المجازاة على الذنب معاقبة لأجل المقابلة ، والمعنى : قابلوا من صنع بكم صنيع سوء بمثله ، وهو عكس : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) (١). المجاز في الثاني وفي : وإن عاقبتم في الأول. وقرأ ابن سيرين : وإن عقبتم فعقبوا بتشديد القافين أي : وإن قفيتم بالانتصار فقفوا بمثل ما فعل بكم. والظاهر عود الضمير إلى المصدر الدال عليه الفعل مبتدأ بالإضافة إليهم أي : لصبركم وللصابرين أي : لكم أيها المخاطبون ، فوضع الصابرين موضع الضمير ثناء من الله عليهم بصبرهم على الشدائد ، وبصبرهم على المعاقبة. وقيل : يعود إلى جنس الصبر ، ويراد بالصابرين جنسهم ، فكأنه قيل : والصبر خير للصابرين ، فيندرج صبر المخاطبين في الصبر ،
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٥٤.