زائدة ، ويكون بذلك بدلا مما قبله ، وأشير به إلى الاثنين الفضل والرحمة. وقيل : كررت الفاء الثانية للتوكيد ، فعلى هذا لا تكون الأولى زائدة ، ويكون أصل التركيب فبذلك ليفرحوا ، وفي القول قبله يكون أصل التركيب بذلك فليفرحوا ، ولا تنافي بين الأمر بالفرح هنا وبين النهي عنه في قوله : (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (١) لاختلاف المتعلق ، فالمأمور به هنا الفرح بفضل الله وبرحمته ، والمنهي هناك الفرح بجمع الأموال لرئاسة الدنيا وإرادة العلو بها والفساد والأشر ، ولذلك جاء بعده : (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) (٢) وقبله : (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ) (٣) وقوله : (لَفَرِحٌ فَخُورٌ) (٤) جاء ذلك على سبيل الذم لفرحه بإذاقة النعماء بعد الضراء ، ويأسه وكفرانه للنعماء إذا نزعت منه ، وهذه صفة مذمومة ، وليس ذلك من أفعال الآخرة. وقول من قال : إنه إذا أطلق الفرح كان مذموما ، وإذا قيد لم يكن مذموما كما قال : (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٥) ليس بمطرد ، إذ جاء مقيدا في الذم في قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) (٦) وإنما يمدح الفرح ويذم بحسب متعلقه ، فإذا كان بنيل ثواب الآخرة وإعمال البر كان محمودا ، وإذا كان بنيل لذات الدنيا وحطامها كان مذموما.
وقرأ عثمان بن عفان ، وأبيّ ، وأنس ، والحسن ، وأبو رجاء ، وابن هرمز ، وابن سيرين ، وأبو جعفر المدني ، والسلمي ، وقتادة ، والجحدري ، وهلال بن يساف ، والأعمش ، وعمرو بن قائد ، والعباس بن الفضل الأنصاري : فلتفرحوا بالتاء على الخطاب ، ورويت عن النبي صلىاللهعليهوسلم. قال صاحب اللوامح : وقال وقد جاء عن يعقوب كذلك ، انتهى. وقال ابن عطية : وقرأ أبي وابن القعقاع ، وابن عامر ، والحسن : على ما زعم هارون. ورويت عن النبي صلىاللهعليهوسلم فلتفرحوا وتجمعون بالتاء فيهما على المخاطبة ، وهي قراءة جماعة من السلف كثيرة ، وعن أكثرهم خلاف انتهى. والجمهور بالياء على أمر الغائب. وما نقله ابن عطية أن ابن عامر قرأ فلتفرحوا بالتاء ليس هو المشهور عنه ، إنما قراءته في مشهور السبعة بالياء أمرا للغائب ، لكنه قرأ تجمعون بالتاء على الخطاب ، وباقي السبعة بالتاء على الخطاب. وفي مصحف أبي : فبذلك فافرحوا ، وهذه هي اللغة الكثيرة الشهيرة في أمر المخاطب. وأما فليفرحوا بالياء فهي لغة قليلة. وفي الحديث : «لتأخذوا
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٧٦.
(٢) سورة القصص : ٢٨ / ٧٧.
(٣) سورة القصص : ٢٨ / ٧٦.
(٤) سورة هود : ١١ / ١٠.
(٥) سورة آل عمران : ٣ / ١٧٠.
(٦) سورة الأنعام : ٦ / ٤٤.