شأن ، ومن قرآن تفسير للضمير ، وخص من العموم لأنّ القرآن هو أعظم شؤونه عليهالسلام. وقيل : يعود على التنزيل ، وفسر بالقرآن لأنّ كل جزء منه قرآن ، وأضمر قبل الذكر على سبيل التفخيم له. وقيل : يعود على الله تعالى أي : وما تتلوا من عند الله من قرآن. والخطاب في قوله : ولا تعملون عام ، وكذا إلا كنا عليكم شهودا. وولى إلا هنا الفعل غير مصحوب بقد ، لأنه قد تقدم الأفعل. والجملة بعد إلا حال وشهودا رقباء نحصي عليكم ، وإذ معمولة لقوله : شهودا. ولما كانت الأفعال السابقة المراد بها الحالة الدائمة وتنسحب على الأفعال الماضية كان الظرف ماضيا ، وكان المعنى : وما كنت في شأن وما تلوت من قرآن ولا عملتم من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ أفضتم فيه. وإذ تخلص المضارع لمعنى الماضي ، ولما كان قوله : إلا كنا عليكم شهودا فيه تحذير وتنبيه عدل عن خطابه صلىاللهعليهوسلم إلى خطاب أمته بقوله : ولا تعملون من عمل ، وإن كان الله شهيدا على أعمال الخلق كلهم. وتفيضون : تخوضون ، أو تنشرون ، أو تدفعون ، أو تنهضون ، أو تأخذون ، أو تنقلون ، أو تتكلمون ، أو تسعون ، أقوال متقاربة ثم واجهه تعالى بالخطاب وحده في قوله : وما يعزب عن ربك ، تشريفا له وتعظيما. ولما ذكر شهادته تعالى على أعمال الخلق ناسب تقديم الأرض الذي هي محل المخاطبين على السماء ، بخلاف ما في سورة سبأ ، وإن كان الأكثر تقديمها على الأرض.
وقرأ ابن وثاب ، والأعمش ، وابن مصرف ، والكسائي ، يعزب بكسر الزاي ، وكذا في سبأ (١). والمثقال اسم لا صفة ، ومعناه هنا وزن ذرة. والذر صغار النمل ، ولما كانت الذرة أصغر الحيوان المتناسل المشهور النوع عندنا جعلها الله مثالا لأقل الأشياء وأحقرها ، إذ هي أحقر ما نشاهد. ثم قال : ولا أصغر من ذلك أي : من مثقال ذرة. ولما ذكر تعالى أنه لا يغيب عن علمه أدق الأشياء التي نشاهدها ، ناسب تقديم ولا أصغر من ذلك ، ثم أتى بقوله : ولا أكبر ، على سبيل إحاطة علمه بجميع الأشياء. ومعلوم أنّ من علم أدق الأشياء وأخفاها كان علمه متعلقا بأكبر الأشياء وأظهرها. وقرأ الجمهور : ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بفتح الراء فيهما ، ووجه على أنه عطف على ذرة أو على مثقال على اللفظ. وقرأ حمزة وحده : برفع الراء فيهما ، ووجه على أنه عطف على موضع مثقال لأن من زائدة فهو مرفوع بيعزب ، هكذا وجهه الحوفي وابن عطية وأبو البقاء. وقال الزمخشري تابعا لاختيار الزجاج : والوجه النصب على نفي الجنس ، والرفع على الابتداء ، يكون كلاما مبتدأ. وفي
__________________
(١) سورة سبأ : ٣٤ / ٣.