العطف على محل مثقال ذرة أو لفظه فتحا في موضع الجر إشكال ، لأنّ قولك : لا يعزب عنه شيء إلا في كتاب مشكل انتهى. وإنما أشكل عنده ، لأنّ التقدير يصير إلا في كتاب فيعزب ، وهذا كلام لا يصح. وخرجه أبو البقاء على أنه استثناء منقطع تقديره : لكن هو في كتاب مبين ، ويزول بهذا التقدير الإشكال. وقال أبو عبد الله الرازي : أجاب بعض المحققين من وجهين : أحدهما أنّ الاستثناء منقطع ، والآخر أنّ العزوب عبارة عن مطلق البعد ، والمخلوقات قسم أوجده الله ابتداء من غير واسطة كالملائكة والسموات والأرض ، وقسم أوجده بواسطة القسم الأول مثل الحوادث الحادثة في عالم الكون والفساد ، وهذا قد يتباعد في سلسلة العلية والمملوكية عن مرتبة وجود واجب الوجود ، فالمعنى : لا يبعد عن مرتبة وجوده مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء إلا وهو في كتاب مبين ، كتبه الله ، وأثبت صور تلك المعلومات فيها انتهى ، وفيه بعض تلخيص. وقال الجرجاني صاحب النظم : إلا بمعنى الواو أي : وهو في كتاب مبين. والعرب تضع إلّا موضع واو النسق كقوله : (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) (١) (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) (٢) انتهى. وهذا قول ضعيف لم يثبت من لسان العرب وضع إلا موضع الواو ، وتقدم الكلام على قوله : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) (٣) وسيأتي على قوله : إلا من ظلم إن شاء الله تعالى.
أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ١١.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٥٠.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٥٠.