يكون مما حذفت منه الصفة المخصصة أي : قولهم الدال على تكذيبك ومعاندتك ، ثم استأنف بقوله : إنّ العزة لله جميعا أي : لا عزة لهم ولا منعة ، فهم لا يقدرون لك على شيء ولا يؤذونك ، إن الغلبة والقهر لله ، وهو القادر على الانتقام منهم ، فلا يعازه شيء ولا يغالبه. وكأنّ قائلا قال : لم لا يحزنه قولهم وهو مما يحزن؟ فقيل : إنّ العزة لله جميعا ، ليس لهم منها شيء. وقرأ أبو حيوة : أنّ العزة بفتح الهمزة وليس معمولا لقولهم : لأن ذلك لا يحزن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، إذ هو قول حق. وخرجت هذه القراءة على التعليل أي : لا يقع منك حزن لما يقولون ، لأجل أنّ العزة لله جميعا. ووجهت أيضا على أن يكون إنّ العزة بدل من قولهم ولا يظهر هذا التوجيه.
قال الزمخشري : ومن جعله بدلا من قولهم ثم أنكره ، فالمنكر هو تخريجه لا ما أنكره من القرآن. وقال القاضي : فتحها شاذ يقارب الكفر ، وإذا كسرت كان استئنافا ، وهذا يدل على فضيلة علم الإعراب. وقال ابن قتيبة : لا يجوز فتح إن في هذا الموضع وهو كفر وغلو ، وإنما قال القاضي وابن قتيبة ذلك بناء منهما على أن معمولة لقولهم ، وقد ذكرنا توجيه ذلك على التعليل وهو توجيه صحيح. هو السميع لما يقولون ، العليم لما يريدون.
وفي هذه الآية تأمين للرسول صلىاللهعليهوسلم من إضرار الكفار ، وأن الله تعالى يديله عليهم وينصره. (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (١) (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) (٢) وقال الأصم : كانوا يتعززون بكثرة خدمهم وأموالهم ، فأخبر أنه قادر على أن يسلب منهم ملك الأشياء ، وأن ينصرك وينقل إليك أموالهم وديارهم انتهى. ولا تضاد بين قوله : إن العزة لله جميعا ، وقوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (٣) لأن عزتهم إنما هي بالله ، فهي كلها لله. (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ).
المناسبة ظاهرة في هذه الآية لما ذكر أن العزة له تعالى وهي القهر والغلبة ، ذكر ما يناسب القهر وهو كون المخلوقات ملكا له تعالى ، ومن الأصل فيها أن تكون للعقلاء ، وهنا هي شاملة لهم ولغيرهم على حكم التغليب ، وحيث جيء بما كان تغليبا للكثرة إذ أكثر المخلوقات لا تعقل. وقال الزمخشري : يعني العقلاء المميزين وهم الملائكة والثقلان ،
__________________
(١) سورة المجادلة : ٥٨ / ٢١.
(٢) سورة غافر : ٤٠ / ٥١.
(٣) سورة المنافقون : ٦٣ / ٨.