وإنما خصهم ليؤذن أنّ هؤلاء إذا كانوا له في ملكه فهم عبيد كلهم ، لا يصلح أحد منهم للربوبية ، ولا أن يكون شريكا له فيها ، فما دونهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون ندا وشريكا. ويدل على أنّ من اتخذ غيره ربا من ملك أو إنسي فضلا عن صنم أو غير ذلك ، فهو مبطل تابع لما أدّى إليه التقليد وترك النظر. والظاهر أنّ ما نافية ، وشركاء مفعول يتبع ، ومفعول يدعون محذوف لفهم المعنى تقديره : آلهة أو شركاء أي : أنّ الذين جعلوهم آلهة وأشركوهم مع الله في الربوبية ليسوا شركاء حقيقة ، إذ الشركة في الألوهية مستحيلة ، وإن كانوا قد أطلقوا عليهم اسم الشركاء. وجوزوا أن تكون ما استفهامية في موضع نصب بيتبع ، وشركاء منصوب بيدعون أي : وأي شيء يتبع على تحقير المتبع ، كأنه قيل : من يدعو شريكا لله لا يتبع شيئا. وأجاز الزمخشري أن تكون ما موصولة عطفا على من ، والعائد محذوف أي : والذي يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء أي : وله شركاؤهم. وأجاز غيره أن تكون ما موصولة في موضع رفع على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره : والذي يتبعه المشركون باطل. وقرأ السلمي : تدعون بالتاء على الخطاب. قال ابن عطية : وهي قراءة غير متجهة. وقال الزمخشري : وقرأ علي بن أبي طالب رضياللهعنه تدعون بالتاء ، ووجهه أن يحمل وما يتبع على الاستفهام أي : وأي شيء يتبع الذين تدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين ، يعني : أنهم يتبعون الله تعالى ويطيعونه ، فما لكم لا تفعلون فعلهم كقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) (١) انتهى. وأنّ نافية أي : ما يتبعون إلا ظنهم أنهم شركاء. ويخرصون : يقدرون. ومن قرأ تدعون بالتاء كان قوله : إن يتبعون التفاتا ، إذ هو خروج من خطاب إلى غيبة. (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) : هذا تنبيه منه تعالى على عظيم قدرته وشمول نعمته لعباده ، فهو المستحق لأن يفرد بالعبادة لتسكنوا فيه مما تقاسون من الحركة والتردّد في طلب المعاش وغيره بالنهار ، وأضاف الإبصار إلى النهار مجازا ، لأن الأبصار تقع فيه كما قال :
ونمت وما ليل المطيّ بنائم
أي : يبصرون فيه مطالب معايشهم. وقال قطرب : يقال أظلم الليل صار ذا ظلمة ، وأضاء النهار وأبصر أي صار ذا ضياء وبصر انتهى. وذكر علة خلق الليل وهي قوله : لتسكنوا فيه ،
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٥٧.