أتوا ونزلوا بالقرب من الدريعي ، إلا دوخي بن اسمير فكان جوابه لا معك ولا مع مهنا فإني مشغول بحالي في ديرتي. وكذلك كان جواب سلامة شيخ بني صخر ، وأما جواب قاسم الوكبان شيخ قبيلة الشمسي ، فبسبب القرابة التي بينه وبين مهنا ، فإنه راح ونزل بالقرب منه. وأما القبائل السبع الأخرى فإنها نزلت على الدريعي ، وأتى مشايخها وكبارها وسلموا عليه ، فاستقبلهم بكل إكرام.
وكان الدريعي أرسل جواسيس (١) إلى عند مهنا ، فحضروا وأخبرونا أنهم خائفين جدا ، وأن ناصرا نزل إلى حماة ليستنجد بالحكام ويحضر العسكر العثماني لأجل إعانته. وبعد أربعة أيام ركب الدريعي وركبت معه جميع القبائل وكان عددهم نحو ستة آلاف خيال جميعهم رمّاحة ، ويصحبهم نحو ألف ذلول مراديف (ذلول يعني جمل ، ومراديف يعني كل اثنين على ٢ / ٣٨ جمل) ، فهؤلاء جميعهم بواردية بتفنك فتيل ، / لأن من عادة العربان أنها لا تحوي تفنك بقداحة ، أولا لأن قليلا من يأخذ لهم من هذا الصنف للبيع ، وثانيا بسبب غلائها ، ثالثا لأنها إذا تعطلت (٢) ليس عندهم عمال تصلحها ، رابعا بسبب الخطر لأنهم دائما في حلّ وترحال وتبقى التفنك مرمية بين حوائجهم وبأيدي النسوان والأولاد ، خامسا أنها أسرع للضرب ولا تخطئ ولا تخالف ، فلأجل هذه الأسباب إن جميع العربان بالبادية (٣) بتفنك فتيل ، وتجدّل النساء لهم الفتيل من غزل القطن.
فمشى الدريعي بكامل ما ذكرنا لحرب مهنا الفاضل ، ونبه ، قبل توجهه ، أن بعد غد ترحل العربان على أثره ، يعني على الطريق الذي توجه منه ، وكان مراده أن تكون عربانه قريبا منه ، لأن من عادات العربان إذا كانت مع أهلها أن تقاتل بشدة ولا يكون قتالها فقط ركض خيل وجمال (٤) ، وثانيا لأنه يتمكن من الديرة أكثر. فحسب الأوامر رحلنا ونزلنا بأرض يقال لها الطامة ، تبعد يومين عن حماة شرقا. وكان بقي بيننا وبين مهنا يوم فقط ، لأنه كان نازلا بأرض اسمها برّي ، تبعد يوما عن حماة. ثم بعد خمسة أيام من ذهاب الدريعي ، وصلت البشائر أنه قد انتصر على مهنا ، وبعد قليل أقبل عربنا منصورين وقد غنموا طروشا وجمالا ونوقا وخيلا. فالذي لم يذهب إلى الحرب لسبب ما ، إما لأنه ليس عنده سلاح ، أو أنه
__________________
(١) «دواسيس».
(٢) «إذا انعكسوا».
(٣) «بالشول».
(٤) «جرد خيل وركب».