[العودة إلى بر الشام]
أما نحن فنوينا الرجوع إلى بر الشام ، إذ كان انتهى فصل الشتاء ودخل الربيع ، ونحن لم نزل فوق البصرة بنحو ثلاثة أيام. فابتدأنا نعود إلى الغرب ، وبعد عدة مراحل قطعنا الدجلة ودخلنا الجزيرة من القرنا ، فجلسنا يومين فقط بالجزيرة ، وقطعنا الفرات من المنصورية وخرجنا ١ / ٧٠ إلى الصحراء (١) التي يسميها العرب الحماد وهي قبلي الفرات. /
فرحلنا بعد مقطعنا ، ونزلنا أرضا تبعد عن الفرات نحو ست ساعات ليس فيها ماء جار. فحفر العرب كلهم حفرا طول قامة الإنسان ليستقوا منها. فكل عشرة بيوت أم أكثر أم أقل عملت لها حفرة ماء. وهذه المنزلة اسمها غبيب الدّرّ : الدر يعني الحليب وغبيب يعني الشرب ، كناية عن قلة وجود الماء بهذا المكان ، يعني محل شرب الحليب عوضا عن الماء. فما أطلنا الإقامة ، بل رحلنا ثالث يوم ، أولا بسبب قلة الماء كما سبق الشرح ، وثانيا لأننا كنا مستعجلين لنلحق ربيع بر الشام ، إذ الوقت أدركنا وأصبحنا في منتصف الربيع (٢) ، ونحن نخاف أن يحضر غيرنا من العربان ويضعوا يدهم على الأماكن الجيدة ، وخصوصا وأن وراءنا خصومنا وهم بيت ملحم ، فلربما كانوا شدوا أزرهم ببعض القبائل كي يملكوا الديرة ويحاربونا ، كما تقدم الشرح عنهم عام الماضي قبل تشريقنا.
__________________
(١) «جول».
(٢) ربيع سنة ١٨١٢.