[إنكسار الجيش العثماني]
ثم لم تزل الحرب متصلة والجوع يكثر ، حتى ضجت الناس عندنا وعند أهالي حماة ، لأن البلدة تعرت تماما من الحبوب والمآكل ، حتى أن بيت الدريعي بقي يومين من غير أكل. وفي اليوم الثالث أتى من عند الملا اسماعيل دالي ، باش عظيم مقيم دائما في حماة ، ثلاث قفف أرز ، فأمر الدريعي بطحنها جميعا دفعة واحدة حتى يأخذ كل واحد من الناس شيئا قليلا. أما سحن ابن الدريعي فما رضي أن يأكل مع أنه كان على ظهر فرسه منذ أربع وعشرين ساعة من غير أكل ولا شرب. فبذلنا كل جهدنا حتى يأكل فلم نفز بفائدة. وأخيرا قال : اعطوني ما تريدون أن تطعموني. فأعطوه حالا من السفرة لحما وأرزا وخبزا. فخلط الجميع بعضها ببعض ووضعها في العليق وأطعم الفرس ، وهو قاعد جائع ، وقال : خير لي أن تكون فرسي شبعانة وأنا جائع.
ولم نزل على هذا الحال سبعة وثلاثين نهارا ، والحرب متواصلة يوميا ، فقتل من الفريقين شيء كثير. ثم نهار الثامن والثلاثين اشتد الحرب من كل الأطراف فانكسر جيش الباشا وتعطل بكامله ودخلته العربان وغنمت جميع ما فيه من الخيم والأسلحة والخيل. فانهزم الباشا إلى حماة ، وكل العساكر التي استطاعت الركوب ركبت ، إلا أن أكثرها ما لحقت خيلها. ودخل العسكر مكسورا إلى حماة. فارتجت المدينة وخافت الأهالي عند رؤية العسكر المكسور ، وفيه من القتلى والجرحى شيء لا يعد. وهرب كثير من أهالي حماة وحمص إلى