نمره ٢
[أول لقاء مع البدو]
وثاني يوم قمنا دوّرنا بالضيعة ، فوجدناها ضيعة عظيمة ، تحوي على مائتي بيت. جميع سكانها نصارى سريان ، من غير أحد مخالطهم مطلقا. صنعتهم شغل العبي والمشالح. فيها خمس كنائس وخمسة قسوس ، كل واحد منها له كنيسة. ماؤها يجرى من عينين ، وعندهم قليل من البساتين ، لأن جميعهم مشغولون بصنعتهم ، ويزرعون قليلا من الحنطة والشعير ويحصلون على ما يكفيهم نصف السنة فقط ، والسبب أن كل زرعهم سقي من العين لقلة الأمطار وأكثر السنين لا تسقط الأمطار قطعا ، ولذا فإن زرعهم قليل ، وهم يتقاسمون الماء بالساعة. وأما ما ينقصهم من مؤنة ولوازم ، فإنهم يستوردونها جميعها من حمص. وفي وسط القرية برج قديم العمارة كبير الارتفاع.
ويتحدث أهل صدد بتاريخ عمارة قريتهم ولما ذا سميت صددا. فلهذا الاسم تفسير ، فمعنى صدد أنهم صدّوهم ومنعوهم عن التقدم أكثر مما تقدموا. والسبب هو أن جدود سكان صدد كانوا سابقا مقيمين في طرابلس الشام. وكان هناك حاكم يقال له رومان ، من قبل ملك الروم بالقسطنطينية. وهؤلاء الروم كانوا مشهورين بجورهم وردائتهم في ذلك الزمن. أما الحاكم المذكور ، فإنه استبد بهؤلاء السريان المساكين وظلمهم ظلما لا يطاق فاضطروا إلى الجلاء بكامل أسرهم وأرزاقهم مما قدروا على حمله ، وهربوا إلى حمص ، ومنها إلى البراري ، قاصدين بغداد. فأرسل رومان عساكر خلفهم ، لنهبهم وقتلهم وإرجاع من بقي منهم. فما