لحقهم العسكر إلا بعد أن بعدوا عن حمص اثنتي عشرة ساعة ، فصدهم الجند ، ومنعهم عن التقدم زيادة ، ووقع بينهم قتال ، ونهب العسكر أموالهم. ثم أنهم كتبوا كتابا إلى الحاكم رومان وطلبوا منه الإذن بالإقامة بتلك الأرض ، وتعمير قرية لهم ، فأذن بذلك ، ورجع العسكر عنهم. وكل واحد منهم بنى له بيتا وأقام به ، وكان عددهم يومئذ ثلاث مئة عائلة. فلهذا السبب سميت قريتهم صددا.
ثم فتحنا بضاعتنا ، كي نري للناس أننا تجار ، ونستر مقصودنا. فصرنا نبيعهم ، وأكثر ما بعناه هو الخام الأحمر ، لأن جميع نسائهم تلبس من هذا اللون. فبعنا شيئا قليلا بمقدار خمس مئة غرش. وبعد يومين أو ثلاثة وقف البيع لأن أهل صدد أخذوا كفايتهم ، فصرنا نمضي الوقت ، إلى أن يحل وقت تقرب العرب من الحاضرة (١). وأخبرنا بعض سكان ١ / ١١ صدد أنه يوجد ، بعيدا عن هذه القرية ، عمارة قديمة متهدمة / بها حمام طبيعي ، لأن الماء السخن طبيعي ، بل إنه من البخار. كما سنشرحه. فتشوقنا إلى رؤية ذلك المكان وطلبنا من الشيخ أن يأمر بعض الناس أن يصحبونا لنذهب ونرى ذلك المكان. وفي اليوم الثاني قمنا باكرا وكان يرافقنا خمسة أنفار من القرية بواردية (٢) ، وكان نوفل بصحبتنا أيضا. فكان مسيرنا أربع ساعات لطرف الشرق ، منحرفين لجهة الشمال. فوصلنا ووجدنا عمارات قديمة وخرابا كثيرا ، ثم وجدنا مخدعا بحجم غرفة كبيرة ، لم يزل واقفا ، بناؤه على الطريقة القديمة بالأحجار الكبيرة جدا ، إنما سقطت منه فقط قطعة من الحائط ، من جهة الباب ، فسدّت نحو نصفه. فدخلنا ووجدنا طاقة من جهة الشرق ، طولها نحو ذراع وعرضها كذلك ، قديمة البناء جدا ، ويخرج من تلك الطاقة بخار (٣) كثيف بكثرة. وأخبرنا الذين معنا أننا إذا رمينا شيئا في هذه الطاقة فإن البخار يصعده مرة ثانية (٤) إلى فوق. فرمينا محرمة ومسكنا الساعة ، فبعد دقيقة ونصف طلعت إلى فوق ، ثم وقعت أمامنا. فأخذنا قميصا ورمينا به ، فبعد عشر دقائق طلع مع البخار ووقع أمامنا. وأخبرنا بعضهم أن أناسا رموا مشلحا ، الذي ثقله نحو رطلين من الوزن الحلبي ، فرفعه البخار.
ثم بعد ذلك خلعنا ثيابنا ، ولم يبق علينا إلا القميص ، وجلسنا جانب الطاقة ، فأبتدأنا
__________________
(١) «الديرة».
(٢) رجال يحملون البارودة أي البندقية.
(٣) «هبّال».
(٤) «ثاني مرا» أي من جديد.