نعرق عرقا عظيما ، حتى ساح العرق من أجسادنا على الأرض ، كأنه مجرى ماء. فقمنا وتبدلنا ولبسنا حوائجنا ، إلا أننا وجدنا نشاطا وخفة بالجسد أحسن من حمام الماء بكثير. وهذه الحمام كان يقصدها الناس للاستشفاء (١) سابقا ، وإلى يومنا هذا ما زال الذين يعرفونها ، وهم أهالي صدد وسكان تلك الديار ، يصفها بعضهم إلى بعض لأجل عدد من الأمراض ، ويتم شفاؤهم بها.
ثم رجعنا إلى صدد ، وكان المساء فنمنا تلك الليلة بكل راحة وهدوء ، وذلك كان من فعل الحمام. ومن ذلك الوقت ، إلى حين انتهاء سياحتنا ، لم نر المرض في جسدنا ، لأن جميع الصدأ والغش اللذين كانا في جسمنا ذهبا مع العرق ، والواقع أن رائحة العرق التي فاحت منا بفعل البخار كانت كريهة جدا ، فبان لنا أن جميع ما خرج هو الغش الذي يحدث القروح ٢ / ١١ والأوجاع في جسم الإنسان. / وهذا شيء معلوم ، والذين بنوا هذه الحمام كانوا عارفين نفعها وجعلوها طبا.
وبعد ذلك اقمنا بعض الأيام ، إلا أننا كنا متكدرين إذ ليس هناك من جديد نراه. فعزمنا على التوجه إلى ضيعة يقال لها القريتين ، وهي تبعد عن صدد عشر ساعات ، وتقع نصب شرقيها (٢). فاستكرينا من أهالي صدد وحزمنا أحمالنا وبتنا تلك الليلة على أهبة السفر. فقال لنا نوفل : يا جماعة ، أسماؤكم لا تناسب هذه الديرة وخصوصا عند العرب ، فيقتضي لكم أسماء دارجة تصلح عند العرب والحضر ، (فالعرب هم سكان بيوت الشعر والبادية ، والحضر هم سكان القرى والبلاد). فاعتمد رأينا على تسمية الخواجه لاسكاريس شيخ إبراهيم القبرصي (٣) ، وأتخذت لي اسم عبد الله الخطيب أعني الكاتب ، باصطلاح لغة العرب.
وثاني يوم من الصباح ودعنا الشيخ وكامل المحبين وتوجهنا على اسم الله. فبعد مسيرنا بأربع ساعات وصلنا إلى ضيعتين ، الواحدة أمام الأخرى والطريق بينهما ، الواحدة على اليمين والأخرى على اليسار ، يقال لهما مهين وحوارين ، وبينهما ماء جارية تكفي لهما. وفي كل ضيعة فقط نحو عشرين بيتا ، لأن أكثرها خراب ، والمسافة بين القريتين نحو عشر دقائق
__________________
(١) «حمام حكمة».
(٢) «وهي بعيدة عن صدد عشرة ساعات شرقيها نصب» ، وهذا غير صحيح لأن القريتين تقع شرقي جنوبي صدد.
(٣) سبقت هذه التسمية في رسالة توصية (انظر اعلاه صفحة ٣٩).