[عبد الله بين الحياة والموت]
ثم حزمنا رزقنا وأخذنا حوائجنا وودعنا الأحباب وركبنا من حماة ، إلا أني خلافا لعادتي ، كنت مغلق القلب ومغموما كأني ذاهب إلى الموت. وكان الدريعي بعيدا عنا نحن عشرين ساعة. فبعد أن مشينا النهار كله قال العرب أنه من الأنسب أن نسري ليلا كي نصل غدا صباحا عندهم ، خوفا من أن يرحلوا ويبعدوا عنا. فبقينا جادين بالسير إلى قرب نصف الليل. وكان أمامنا دائما اثنان من خيالتنا يسبقاننا قليلا ، احتراسا من أحد الأعداء لأن الدنيا مظلمة ، والمثل عند العرب يقول : «الليل ما له صاحب». وأثناء تلك الغضون رجع الخيالة الذين هم أمامنا وقالوا افتحوا عيونكم جيدا لأن أمامنا واديا ملعونا يقال له وادي ٢ / ٨٤ الهيل مقدار مسيره ربع ساعة ، / طريق ضيق ، فوقك جبل وتحتك واد لم ينزله أحد ولا يمكن لأحد أن يعرف قراره ، والطريق عرضه نصف ذراع (١) فقط ، فكونوا يقظين لأنه إذا وقع أحد فليس له خلاص. فصرنا ننبه بعضا وابتدأت أفرك عيوني من النوم لأني كنت نعسان جدا. ثم دخلنا طريق الوادي والليل شديد الظلام ليس فيه ضوء قمر. وبينما نحن في نصف الطريق المعلوم إذ عثرت (٢) بي فرسي ، فأخذت رأسها باللجام نترا قويا من شدة خوفي ، فرفعت يديها
__________________
(١) لا يمكن لدابة أن تمر في طريق عرضه نصف ذراع ، لا سيما وأن الجمال موقرة بالبضائع والسلع. ولا شك عندنا أن الصائغ يحب المبالغة فيجمح به الخيال ، ونراه عرضة لشتى الأهوال. أما الشيخ إبراهيم فوقع مرة واحدة من على ظهر الجمل.
(٢) «تعست».