[تدمر وضواحيها]
وفي اليوم التالي مشينا مع طلوع الشمس ، وقبل وصولنا إلى تدمر بساعة ، بلغنا ماء جارية عظيمة يقال لها ماء أبو الفوارس ، آتية من المغرب وذاهبة نحو المشرق صوب تدمر. ولا يبان من أين أصلها ولا إلى أين منتهاها ، إلا من ثلاث أو أربع قوافع (١) في الأرض ، تظهر وتختفي ، والعمق من القافعة إلى الماء نحو ذراعين ، فشربنا من ذلك الماء حتى ارتوينا ، ومشينا ساعة من الزمن فأشرفنا على مدينة تدمر العظيمة. وأول ما قابلنا ، قبل الدخول بربع ساعة ، خانق (٢) بين جبلين متقابلين ، فنتج عن ذلك ممر متواصل حتى مدخل تدمر. وعلى الجبل الذي على اليمين ، من ناحية القبلة ، سور قديم العمارة يمتد على مسافة ثلاث ساعات وينتهي بالخانق ، ومن طرف الشمال ، في آخر الجبل ، قلعة من عمارة الإسلام ، قبل ظهور البارود ، يقال لها قلعة ابن معن. والمذكور كان من حكام الشام في زمن الخلافة الأموية ، فعمّر هذه القلعة كي يمنع الأعاجم (٣) عن الدخول من ذلك الخانق إلى بر الشام.
وبعد ذلك وصلنا إلى فسحة عظيمة يقال لها وادي القبور ، فيه أكثر من عشرين
__________________
(١) قوافع مفردها قافعة : لم أجد هذه الكلمة فيما بين يديّ من كتب اللغة. وفي لسان العرب : القفعة هو شيء كالقفة يتخذ واسع الأسفل ضيق الأعلى ، جمع قفع. ولعل الصائغ يريد أن يقول حفرة ينبع منها الماء.
(٢) «بوغاظ».
(٣) «الأعجام».