سلامة ، وكان مشهورا بمواقفه ، من الفرسان المعدودين بين العربان ، فاستقامت الحرب بينهم نصف ساعة ، وكانوا من قبيلة يقال لها الحسنة (١) ، أميرهم اسمه مهنا الفاضل ، وهو أول من صار من أحبائنا بين العرب ، وسوف نتكلم عنه وعن قبيلته. وكان هؤلاء الخيالة الستة من الفرسان العظام المجربين لهم خبرة بالحرب والقتال ، فلم يستطع سلامة أن يقف أمامهم أكثر من ذلك وأصابته طعنة رمح في فخذه فضعفت قواه. فحينئذ هجموا علينا وابتدأوا بسلبنا ، فصار سلامة يرمي بنفسه على الأرض ويقول لهم : يا جماعة ، ما هذه طريقة العربان ، هؤلاء إخواني وقد كفلتهم من كل أمر يصيبهم ، فكيف تفعلوا هذه الأفعال معهم. قالوا : كلامك صحيح يا سلامة ولكن أما تعلم أن كبير هذه الديار اليوم هو أميرنا مهنا الفاضل؟ فكيف تحضر نصارى إلى تدمر من غير أذنه؟ فقال الحق معكم ولكن على علمي أن مهنا بعيد عن الديرة ، وهؤلاء الناس مستعجلون يريدون بيع بضاعتهم ، فأخذتني المرؤة والغيرة ووضعت أملي بعادات العرب التي لا تتغير ، فهم بذمتي وقد ضمنت لهم أمام شيخ سليم الدعاس ورافقتهم. وأنا الآن مرتمي على الأرض وهم بين أياديكم فافعلوا بهم ما ترونه مناسبا. فرجعوا عنا وقالوا بما أنك تكلمت باللسان الطيب فإننا لا نأخذ منهم إلا ما يطيب خاطرهم به. فاضطررنا أن نفك الحمل ونعطيهم مشلحين وفروة ومئة غرش ، فرضوا بذلك وخلّو سبيلنا. أما سلامة فإنه من ألم جرحه لم يستطع أن يركب فرسه ، فأركبناه على جملي وركبت على فرسه ، وسرنا أربع ساعات إلى أن غابت الشمس ، لأننا أضعنا الوقت مع هؤلاء الناس الذين أعاقونا عن السفر مدة ثلاث ساعات بل أكثر. فنزلنا ونمنا تلك الليلة في أرض يقال لها وادي النهر. وبتنا تلك الليلة عطاشي ، إذ فرغ الماء من عندنا ، وكنا نظن أننا سنبيت ١ / ١٦ في تدمر ، ولكن تأخرنا منعنا عن ذلك ، / ولكننا كنا راضين وشاكرين الله الذي خلصنا من أيادي القوم ، لأنهم لو سلبوا ثيابنا كنا بلا شك متنا من البرد.
__________________
(١) الحسنة أو الأحسنة ، قبيلة عنزيّة من ضنا مسلم.